لا ديمقراطية دون الخروج من ثنائية صراع عسكر الانقلابات والإسلاميين

محمود زين الدين17 سبتمبر 2018آخر تحديث :
لا ديمقراطية دون الخروج من ثنائية صراع عسكر الانقلابات والإسلاميين
  • صراع يكشف مأزق الاجتماع العربي ويعرّي النخب والساسة والمثقفين المنخرطين في تغذية الصراع.
  • أسهل سبل الإجهاز على أي تقدم سياسي نحو الديمقراطية: التهديد بوصول “المتطرفين” إلى السلطة.
  • حالة ضعف وانقسام تعتري قوى التغيير الحقيقية في العالم العربي.

 

الديمقراطيات العربية بين الجنرالات والشيوخ

بقلم: خليل العناني

“المتطرّفون يسعون إلى هدم البلد كما هدموا دولًا عربية”.. هكذا صرّح رئيس موريتانيا، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، عشية جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية في بلاده، بعد أن فاز حزبه الحاكم، الاتحاد من أجل الجمهورية، بأغلبية المقاعد في الجولة الأولى التي جرت أول سبتمبر/ أيلول الجاري.

حديث الجنرال ولد عبد العزيز، الذي سطا على السلطة في موريتانيا في انقلاب معروف قبل عشر سنوات، بعد أول تجربة ديمقراطية حقيقية تشهدها دولة عربية، يتناغم مع موجة الثورة المضادّة، ومع خطاب قادتها الذي بات ممسوخاً ومعروفاً.

وهو لا يختلف كثيراً عن خطاب جنرالات السلطويات العربية البائدة وحكّامها في مصر وليبيا واليمن والعراق الذين رفعوا شعار “نحن أو الفوضى”.

وهو أيضا الخطاب نفسه الذي تروجه الآن، وتدافع عنه، جمهوريات الثورة المضادّة، وممالكها وشيوخها، وذلك من أجل التخويف من أي محاولة حقيقية للانتقال الديمقراطي.

وقد أضحى “المتطرّفون”، في عُرف هذه الجمهوريات والممالك، أولئك الذين ينخرطون في العملية السياسية، ويقبلون بقواعد اللعبة الديمقراطية، على الأقل من الناحية الإجرائية، بمن فيهم الإسلاميون الذين يواظبون على المشاركة في الانتخابات، ويقبلون نتائجها رغم حالات التزوير الفاقعة، والتحريض الذي يجري ضدهم بشكل ممنهج.

وقد نسي، أو بالأحرى تناسى، الجنرال ولد عبد العزيز، الذي أطلق التصريح أعلاه في أثناء إدلائه بصوته في الجولة الثانية للانتخابات، أنه جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري على أول تجربة ديمقراطية حقيقية.

جاءت بعد مبارزة سياسية، وانتخاباتٍ نزيهة وشفافة فاز بها الرئيس المخلوع، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني لموريتانيا خلال العقود الأربعة الأخيرة، وذلك بعد تجربة سياسية طرية لم يكتب لها أن تكتمل، ولا أن تصبح نموذجاً في المنطقة العربية.

وليس أسهل من الإجهاز على أي تطور أو تقدم سياسي عربي باتجاه الديمقراطية، إلا بالتهديد من وصول “المتطرفين” و”الإرهابيين” إلى السلطة.

وليس أفضل للسلطويات العربية للبقاء في السلطة من تجييش الصراعات الإيديولوجية والطائفية وتعبئتها، حتى وإن جاء ذلك على حساب الشعوب والمجتمعات العربية.

وهم بذلك، ودون أن يدروا، يظهرون الإسلاميين، الأكثر حرصاً على الديمقراطية وعلى التعدّدية، واحتراماً لقواعد اللعبة السياسية.

يؤشّر تصريح ولد عبد العزيز أعلاه إلى أنه لا جديد في ما يخص الصراع القديم/ الجديد بين الجنرالات والشيوخ، أو بين العسكر الانقلابيين والإسلاميين، والذي حكم، ولا يزال، المعادلة السياسية العربية طوال العقود الماضية، والذي تدفع الشعوب العربية ثمناً باهظاً له من حريتها وتنميتها وتقدمها.

وهو صراعٌ مفتوحٌ يتداخل فيه المحلي مع الإقليمي والدولي، ويتقاطع فيه المال مع السلاح، وتنتعش على هوامشه جماعاتٌ وأحزابٌ وحركاتٌ ولوبياتٌ وشركاتٌ وفضائيات، هي أبعد ما تكون عن قيم الديمقراطية ومبادئها.

كما أنه صراع تحوّل بمرور الوقت إلى شرخ سياسي واجتماعي عميق، يشقّ العالم العربي شعوباً ودولاً ومجتمعات.

وبات انقساماً واستقطاباً تسمع صداه في احتفال إعلام وصحف وجرائد وفضائيات، تابعة لبؤرة الثورة المضادّة في الخليج، بفوز حزب ولد عبد العزيز بأغلبية المقاعد البرلمانية.

وتصوّره، ويا للمفارقة، على أنه هزيمة لجارتها قطر، التي يتم تصويرها في هذا الإعلام، ولأغراضٍ سياسيةٍ وصراعيةٍ محضة، كما لو كانت المحرّك لما يحدث في العالم العربي، من خليجه إلى محيطه.

ومن دون الوقوع في فخ الاختزال والتبسيط، في ما يخص ديناميات المجتمعات العربية، وذلك على غرار ما يفعل بعض الباحثين، فإن صراع الجنرالات والشيوخ ليس من أجل الديمقراطية بحد ذاتها، وإنما هو على السلطة، ومن أجل الثروة، ومن أجل السيطرة.

وهو يعكس محاولات مستمرة من جميع الأطراف للهيمنة على المجتمعات العربية، وتطويعها وفق رؤى المتصارعين وتصوّراتهم.

فالتجارب الديمقراطية العربية التي لم تكتمل، كما هو الحال سواء في الجزائر والسودان أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات، أو في مصر واليمن وليبيا بعد ثورات الربيع العربي.

وتقول بوضوح إن الديمقراطية لم تكن مطلوبة باعتبارها قيمة بحد ذاتها، أو أن في وسع القوى المتصارعة أن تحترم قواعدها كاملة. لذا لم يكن غريباً أن تسقط هذه التجارب الوليدة بشكل سريع.

يكشف صراع الجنرالات والشيوخ المأزق الحقيقي للاجتماع السياسي العربي، ويعرّي نخبنا وسياسيينا ومثقفينا، خصوصا الذين انخرطوا في تسخين هذا الصراع وتغذيته، إما من أجل مواقف إيديولوجية متشدّدة، أو لتحقيق مكاسب قصيرة المدى.

كما أنه يكشف حالة الضعف والانقسام التي تعتري قوى التغيير الحقيقية في العالم العربي. ويؤكد أن لا إمكانية لحدوث نقلةٍ حقيقيةٍ باتجاه الديمقراطية، من دون الخروج من ثنائية هذا الصراع المهلك.

  • د. خليل العناني أستاذ العلوم السياسية الزائر بجامعة جونزهوبكنز الأميركية.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة