تحطيم المقاومة ضد أية هيمنة غربية

أحمد عزت سليم9 سبتمبر 2018آخر تحديث :
فى إطار

فى إطار ماسبق في سلسلة مقالات “ديناميت الواقع العالمي الذي يحيط بالثقافة الرقمية”، ذكرنا ان هناك حدود رسمتها الشبكات العالمية الاستعمارية الأمريكية والغربية بقصد الهيمنة على الاقتصاد والأذواق والفكر والسلوك وخلق سمات وأنماط ثقافية تبتغى بها أن تعدل المركبات الثقافية الكلية للمجتمع أوالقيم والمعتقدات السائدة التى تميز ثقافة ما، وذلك فى صالح الهيمنة الاستعمارية، ومن هنا يمكن أن يقبل الكثير من أفراد هذه المجتمعات ـ المراد السيطرة عليها وتحطيم أية مقاومة تظهر فيها ـ الهيمنة الغربية عليها، وبالتالى إفقاد هذه المجتمعات التكامل الثقافى الذى تتميزبه ويحافظ على وحدتها، ومن ثم إحداث الفوضى والاضطراب وسلب الوعى وتدمير الثقافة الفردية والجماعية وإخضاع النفوس بتعطيل العقل والتشويش على نظام القيم وتوجيه الخيال وتنميط الذوق وقولبة السلوك وإنهاء سلطة اللغات القومية والوطنية بما تحمله من أطر دلالية عميقة الامتداد ومعها سلطة التاريخ والجذور والتكريس لمعارف التطبيع وسلعنة الإنسان، وتمكين وتصعيد نخب العولمة المرتبطة بالمصالح الغربية ، هذه النخب التى أصبحت تشغل بقوة قمة الهرم الاجتماعي، والعديد منها أصبح الواجهة المعلنة للعديد من حركات التى تدعى أنها تناضل ضد هذه الأنظمة الفاسدة فى بلادها.

فى حين أنها تتلقى التمويل الأجنبى بالمليارات لتكريس المخططات الغربية فى تقسيم المنطقة وإخضاعها للهيمنة الأمريكية (ـ وأشارت الأوراق بمحكمة أستئناف القاهرة والتى تضمنت نتائج التحقيقات التى كشفت عن الحسابات السرية لعدد من المنظمات إلى أكثرمن أربعين شخصا ممن تلقوا تمويلا مباشرا من التمويل الأجنبى وبالإضافة إلى هذه المنظمات بلغ 500 مليون دولار فى 6 أشهر للإضرار بالأمن القومى ـ الأهرام فى 1 ـ 11 ـ 2011 )، وقد ارتبطت هذه النخب مع مثيلاتها على امتداد العالم بشبكات اتصالات ومصالح رأسمالية واسعة رافضة قبول الحدود والارتباطات التي تشدها إلى أممها وعلى حساب النخب الوطنية الحقيقية وأصبحت تهدد الاستقلال والانتماء وتماسك الكيان الاجتماعى والوطنى فى ظل مناخ جاهزاً للخضوع والامتثال للمعطيات الفكرية والمادية والأوامر الإمبريالية، عبر أنظمة متهالكة ذات أجهزة ومؤسسات خاضعة فقدت دورها ووعيها القومى، وقامت بتهيئة وتمهيد بلادها لسيطرة ” النظام العالمي الجديد ” تحت عناوين تحرير التجارة العالمية وإعادة الهيكلة، والتكيف والخصخصة.

يرى د. كريستوفر لاش فى كتابه : “The Revolt of the Elites And The Betrayal of Democracy “ثورة أو تمرد النخب وخيانة الديمقراطية ” : أن منحى حركة التاريخ في الآونة الأخيرة أصبح يسير في اتجاه خلق طبقتين فقط : طبقة قليلة العدد تحتكر الثروة والسلطة والتعليم هى النخبة التى تحرص من خلال الحكم والسيطرة على تشجيع رأس المال للاستثمار وبتخفيض الضرائب عليه والحد من الإنفاق الحكومي إلى أقل حد ممكن بإلغاء البرامج الاجتماعية الخاصة بالطبقات الفقيرة ـ ومصر نموذج لذلك ـ على اعتبار أن الرفاه وتقليص الفقر تصنعه آليات السوق وأن التدخل الحكومي يكرس الاتكالية ولا يقضي على الفقر، تمارَس هذه النخبة السلطة فيه على أساس مبدأ “الكوفيرنانس” governance، على غرار شركات المساهمة في النظام الرأسمالي ذي التقاليد الأنجلوساكسونية، حيث يمارس حملة الأسهم نوعا من “الرقابة” والتوجيه، عند توزيع الأرباح، بهدف دفع المدراء إلى العمل على تحقيق أقصى قدر من الربح للمؤسسات التي يتولون تسييرها . وهذا النوع من ممارسة السلطة في إطار من الرقابة التي يقوم بها المعنيون بالأمر هو مضمون “الكوفيرنانس”، وهي كلمة إنجليزية مشتقة من govern التي تعني في آن واحد “الحكم” بمعنى ممارسة السلطة (الحكومة government) والرقابة والتوجيهcontrol.

وإذن فنموذج “الحكم” الذي تبشر به “الليبرالية الجديدة” يهدف إلى تقليص دور الدولة بحيث تكون مهمتها القيام بالتسيير تحت توجيه ومراقبة أولئك الذين يوازي وضعهم إزاءها وضع حملة الأسهم بالنسبة للمديرين في الشركات الكبرى وقد تمثل ذلك فى حكومات رجال الأعمال فى فى الدول النامية والأنظمة الخاضعة للهيمنة الإمبريالية لتصير هذه الليبرالية “ليبرالية استعمارية” تصب فى إجمالها لصالح التبعية وللسيطرة الاستعمارية، وقد نادى عالم الاجتماع الفرنسي “بيير بووديو” باليوتوبيا الليبرالية الجديدة التي تقوم على “الإيمان المطلق بحرية التبادل، وتقديس سلطة السوق، والبحث عن أقصى حد من المنفعة الفردية ، والحد من نفوذ السلطة المركزية، والخصخصة الشاملة للمصالح العمومية” وترك كل شيء لآليات السوق وحدها فيما يمكن أن نطلق عليه ” أصولية السوق” Market Fundamentalism، ومحاصرة الإنسان وإغراقه فى عوالم الشذوذ والجنس ـ وهذا ماتفعله وتسييده بالتمام النخب الحاكمة فى عالمنا العربى تنفيذا لآليات “الليبرالية الاستعمارية ” ـ وما ربحته الولايات المتحدة عبرإنتاج المواد الإباحية من خلال الإنترنت وصل في عام 2006م إلى 2,8 مليار دولار، من أصل 13,3 مليار دولار هو دخل الولايات المتحدة من تجارة الجنس بكل أشكالها، والولايات المتحدة التي تعد في الوقت نفسه، مركز لأكبر منظمات محاربة الإباحية، تنتج نحو 89% من إجمالي المواد المنتجة على مستوى العالم، بينما تنتج ألمانيا 4% وبريطانيا 3%، ويظهر على الإنترنت كل يوم 266 موقعاً إباحياً ما بين مواقع مجانية أوفي مقابل اشتراكات، ( صحيفة الشرق الأوسط، 4نوفمبر2007م ) .وتنتشر الإباحية على شبكة الإنترنت لتصل إلى 1% من نسبة المواقع كما أن عدد صفحاتها في تزايد مستمر ما يعني فشل توقعات المراقبين بتناقص المواد الإباحية على شبكة الإنترنت فقد زاد عدد الصفحات الإباحية من 260 مليون صفحة في العام 2003م، إلى 347 مليون صفحة في العام 2004م ، لتصل في العام 2007م إلى 425 مليون صفحة.

 

 

لمطالعة المقال الأول من هنا: الواقع العالمي، ولمطالعة المقال الثاني من هنا: المعطيات الجديدة في هذا الكوكب

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة