عودة المعارضين السنة لبغداد مكسب للأحزاب الشيعية

محمود زين الدين1 مايو 2022آخر تحديث :
العراق

الرسالة أو الغاية الأهم من إعادة رموز المعارضة وآخرهم علي الحاتم أمير الدليم ضرب القوى السنية ببعضها.
الأحزاب الشيعية بالعراق تريد إيصال رسالة مفادها أن العمل المعارض عديم الجدوى، إلا تحت خيمة أحزاب السلطة وضمن خطوطها الحمر.
يعود المعارض السني لبغداد سياسيا «خالي الدسم» متنازل عن خطابه المعارض السابق، مدجناً، أو حتى متآلفا مع خصومه السابقين ومتحالفا معهم!
موجة عودة القيادات المعارضة السنية الذين أبعدوا بعهد المالكي جاءت بتنسيق مع شخصيات متنفذة بالأحزاب الشيعية الحاكمة ووفق ترتيب لإقفال الملفات القضائية.
في حين بدا أن البيت الشيعي أنهك بخلافات داخلية دبت الخلافات في البيت السني بينما يتجه البيت الشيعي للالتئام مجددا للاتفاق على رئيس الحكومة العراقية.
الزعامات السنية حولت نشاطها من مناوئة حكومة بغداد والأحزاب الشيعية إلى مناوئة بعضها والتنافس على الحصول على اعتماد «الكفيل الشيعي» لضمان الدعم في نزاعاتها الداخلية.
* * *

بقلم: وائل عصام
الكثير من أبناء المحافظات السنية في العراق احتفوا بعودة الشيخ علي الحاتم أمير الدليم لبغداد، الذي استقبل في محافظته الأنبار، بعد سنوات على غيابه، بهتافات من أنصاره تظهر توقهم لزعامة ما تناوئ قوى المركز الشيعي في بغداد.
وخرج الكثير من التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن «دور سني» سيلعبه علي الحاتم في العملية السياسية، معتبرين أن عودته هي انتصار للمعارضة السنية، ومركزين على وصفه بـ«رئيس اتحاد المعارضة العراقية» فهل عودته تمثل مكسبا بالفعل للمعارضة السنية؟
كانت موجة عودة القيادات المعارضة السنية ابتداء من مشعان الجبوري ومحمد الدايني وخميس الخنجر ومؤخرا رافع العيساوي نائب رئيس الوزراء السابق، والحديث عن عودة طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية، وغيرهم من السياسيين السنة الذين أبعدوا في عهد المالكي، جاءت بتنسيق مع شخصيات متنفذة في الأحزاب الشيعية الحاكمة، ووفق ترتيب سياسي يقضي أولا بالامتثال للقضاء المرتبط بالسلطة ولو رمزيا، وإقفال الملفات القضائية تحت غطاء سياسي توفره الأحزاب الشيعية المتنفذة في السلطة القضائية.
وبعد ذلك يعود المعارض لبغداد سياسيا «خالي الدسم» متنازل عن خطابه المعارض السابق، مدجناً، أو حتى متآلفا مع خصومه السابقين ومتحالفا معهم.
مثلا تمت ترتيبات عودة مشعان الجبوري بتنسيق من خلال عزت الشابندر، الذي التقاه في دمشق قبل سنوات، وكنت حينها أتابع عن قرب نتائج هذه الوساطة، وعندما عاد الجبوري في البداية تحول لحليف عسكري للحشد الشعبي الشيعي في المعارك ضد تنظيم الدولة في محافظته صلاح الدين، مستفيدا من علاقته الخاصة بأبو مهدي المهندس، وظل هكذا لسنوات قبل أن يعود مجددا لممارسة نشاط معارض في الشهور الأخيرة.
أما محمد الدايني فكانت عملية عودته أكثر تعقيدا، كونه من أشد الناقدين للميليشيات الشيعية وانتهاكاتها، خلال فترة عمله نائباً في البرلمان، لذلك لم يكن كافيا إقفال ملفه القضائي، المفبرك في أغلبه، من دون أن يقضي بضعة شهور في السجن، ثم يخرج ليمارس أيضا نشاطه، من دون ضجة كبيرة كما في السابق.
أما القيادي خميس الخنجر، الذي كان يمول القوائم السنية من عمان، ويؤمن دعما خليجيا للحراك السني، والذي اعتبر سيطرة تنظيم الدولة على الموصل ثورة عشائرية سنية للتخلص من ظلم الميليشيات الشيعية وحكم المالكي ونفوذ طهران، عاد لبغداد ليصبح حليفا انتخابيا لأكبر الأحزاب الشيعية وجلس بجوار هادي العامري زعيم أعرق ميليشيا وحزب شيعي مرتبط بإيران، (منظمة بدر).
الدكتور رافع العيساوي لم يدخل حتى الآن بتحالفات مع أحزاب السلطة الشيعية، لكنه أيضا تخلى عن انتقاداته الحادة، وبدا حريصا هو وباقي المعارضين العائدين على تجنب تصريحات تتجاوز «الخطوط الحمر» وهي من نوعية التصريحات التي كان يطلقها النائب السابق أحمد العلواني خلال مظاهرات الحراك السني، والتي أودت به للسجن والاعتقال بعد قتل شقيقه.
أما أمير الدليم الشيخ علي الحاتم، فقد أطلق فور عودته تصريحات تحث على مواجهة «الإرهاب» في الأنبار، وأدانه بشدة، بينما كان يصف العلاقة مع تنظيم الدولة في الأنبار عام 2014 بأنه تحالف «وشر لا بد منه» وأن تنظيم الدولة يتمتع بخبرة تكتيكية، وبعد أن بشر الساخطين على حكومة بغداد بسقوط العاصمة واكتساح الجنوب الشيعي، فإذا هو يعود لبغداد بعد سنوات بتنسيق من هذه القوى التي هاجمها، ويخرج المالكي ليتحدث في لقاء إعلامي عن ترتيبات هذه العودة، من دون ان يشير لاسمه، قائلا: إننا نقوم بأخذهم من المطار للقضاء لإقفال ملفاتهم القضائية بعد تفاهمات سياسية.
لذلك فإن عودة كل هؤلاء المعارضين لبغداد تعتبر مكسبا للسلطة، التي تريد إيصال رسالة مفادها أن العمل المعارض عديم الجدوى، إلا تحت خيمة أحزاب السلطة وضمن خطوطها الحمر، وأن على القوى السنية أن تقبل التدجين والتحالف مع القوى الشيعية الحاكمة لتتمكن من العمل السياسي، وأن الطريق للحصول على فتات من المناصب والامتيازات يمر عبر طهران لا واشنطن.
وتبقى الرسالة أو الغاية الأهم من عودة، أو «إعادة» بعض رموز المعارضة وآخرهم علي الحاتم أمير الدليم هي بتقديري ضرب القوى السنية بعضها ببعض، وكل ما يحصل حاليا هو أن القوى والزعامات السنية في العراق حولت نشاطها من مناوئة حكومة بغداد والأحزاب الشيعية، إلى مناوئة بعضها بعضا والتنافس على الحصول على وكالة واعتماد من «الكفيل الشيعي» يضمن لها مزيدا من الدعم في نزاعاتها الداخلية السنية السنية.
والغاية الآنية من نفخ الشيخ علي الحاتم في المرحلة الحالية، هي أن «قوى الإطار التنسيقي» الشيعي بزعامة المالكي أرادت مناكفة الصدر وحليفه المؤقت الحلبوسي بمنافس من محافظته الأنبار، بعد أن تعاظم شأن الحلبوسي في المناطق السنية، حتى بات يطلق عليه «زعيم السنة» وهو الذي لم يحصل على منصبه في رئاسة البرلمان إلا بتسويات مماثلة.
والهدف المرحلي المتعلق بتشكيل الحكومة الآن هو دفع الحلبوسي نحو التخلي عن الصدر في التحالف البرلماني الثلاثي، ما سيسهل مهمة المالكي في الضغط على الصدر للعودة لـ«البيت الشيعي» والاتفاق الموحد على رئيس وزراء، وهو ما سيحدث حسب التوقعات بعد العيد.
وهكذا وبينما بدا أن البيت الشيعي أنهك بالخلافات الداخلية، بين قطبي المالكي والصدر، دبت الخلافات في البيت السني، أو ما تبقى من أطلاله، بينما يتجه البيت الشيعي للالتئام مجددا للاتفاق على رئيس الحكومة العراقية.
* وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني
المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

معوقات إصلاح العراق

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة