عندما تخطئ التوقعات في فهم منطق بوتين في أوكرانيا وشمال سوريا!

محمود زين الدين19 ديسمبر 2022آخر تحديث :
بوتين

أنقرة أدركت خطأ تقديراتها في شمال سوريا، ولو متأخرة ثلاث سنوات وفهمت أن لا مناص من القبول بمنطق بوتين في شمال سوريا.
اعتمدت تقديرات استخبارات أوكرانيا على معلومات وفهم خاطئ لتفكير بوتين، باعتبار أنه لن يجازف بحرب بل يحقق أهدافه بالتهديد والوعيد.
ظنت تركيا أن روسيا صادقة في تعهدها لأنقرة في اتفاق سوتشي 2019 بسحب الأكراد جنوب المنطقة المسماة آمنة 30 كيلومترا جنوب الحدود.
المفارقة أن استخبارات أوكرانيا أخطأت في توقع الغزو الروسي فاستبعدت حدوثه، واعتبر الرئيس الأوكراني أن الاستعدادات الروسية مجرد ضغوطات.
يهدف بوتين أولا في الشمال لإعادة سيطرة النظام السوري وإبعاد النفوذ الأمريكي، وإن تم سحب القوى الكردية فذلك يجب أن يكون لمصلحة عودة النظام!
روسيا محظوظة بخصوم وشركاء إقليميين لا يفهمون منطق بوتين الخاص، وهو ما تستفيد منه روسيا في الخداع والمراوغة، في علاقاتها بأطراف النزاع الإقليمي في المسألة السورية.
* * *

بقلم: وائل عصام
كثيرا ما يتم انتقاد المحللين السياسيين إذا أخطأوا في توقعاتهم، لكن أجهزة الاستخبارات قد تخطئ أيضا وتسيء التقدير لنوايا الخصوم، رغم أننا نتحدث هنا عن أجهزة تمتلك آليات مهنية في الولوج للمصادر، ثم سبر وتقييم المعلومات بناء على قوالب تحليل رصينة يديرها متخصصون في كل ملف، يعترفون بفشلهم، ولا يطلقون الكلام بدوافع رغبوية، أو بسطحية معرفية مثل، بعض المعلقين وأصحاب الرأي المسيس الذين ابتذلوا صفة المحلل السياسي!
أجهزة استخبارات كالمخابرات الأمريكية والأوكرانية كثيرا ما تخيب توقعاتها، لكن بنسبة لا تتجاوز العشرة إلى العشرين بالمئة من مجمل تقديراتها، أكثر من ذلك وجب أن يستقيل مدير الجهاز وفريقه من المصادر الأرضية، حتى محللو السياسات.
ومن أشهر وآخر التقديرات الخاطئة التي صدرت عن “سي آي أيه”، توقعهم بأن حكومة كابل الموالية لهم في أفغانستان ستصمد لشهور (من ثلاثة إلى ستة شهور) بوجه هجمات حركة طالبان للسيطرة على العاصمة.
وبعد ذلك وقع من المخابرات الأمريكية خطأ قاتل آخر أدى لمقتل عامل إغاثة مدني في أفغانستان مع 7 من أطفاله، عندما قصفت مسيرة أمريكية عربة في كابل، ظنا أنها تحمل عبوات ناسفة لتنظيم الدولة، ليتبين أنها عبوات مياه، لكن الأمريكيين اعتذروا، وقال الجنرال ماكينزي عن الغارة بأنها خطأ مأساوي.
طبعا هذا الخطأ يعود بالدرجة الأساس لضعف معلومات المصادر المحلية، أو وجود دوافع انتقامية يراد تصفيتها بين السكان المحليين.
طبعا يمكن سرد الكثير من التقديرات الخاطئة التي لم تتوقع تحركات الخصم العسكرية، مثل خطأ المخابرات الإسرائيلية التي لم تتوقع هجوم مصر في حرب أكتوبر 1973.
بالمقابل تمكنت المخابرات الأمريكية من توقع الغزو الروسي لأوكرانيا، وأصرت عليه رغم تكرار النفي الروسي في الأيام الأخيرة قبل الغزو، معتمدة على معلومات دقيقة من المصادر العسكرية، وأوامر الضباط وتحركات القطع العسكرية وصور الإمدادات وغيرها.
لكن المفارقة أن المخابرات الأوكرانية نفسها أخطأت في توقع الغزو الروسي، إذ استبعدت حدوثه، واعتبر الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن الاستعدادات الروسية مجرد ضغوطات، لأن تقديرات الاستخبارات الأوكرانية اعتمدت على معلومات وفهم خاطئ لطريقة تفكير ومنطق الرئيس الروسي بوتين، باعتبار أنه لن يجازف بحرب، وأن أهدافه يمكن تحقيقها بالتهديد والضغط دون الغزو.
إذن المشكلة هنا، إضافة لمعلومات المصادر، هي عدم فهم منطق الخصم، وطريقة تفكيره، وهي جزئية تحدثت عنها بإسهاب صحيفة «واشنطن بوست» في مقال مفصل قبل شهور.
واللافت أن روسيا محظوظة بخصوم وشركاء إقليميين لا يفهمون منطق بوتين الخاص، وهو ما تستفيد منه موسكو في الخداع والمراوغة، في علاقاتها بأطراف النزاع الإقليمي في المسألة السورية، خصوصا مع تركيا، التي ظنت أن موسكو صادقة في تعهدها لأنقرة في اتفاق سوتشي عام 2019 بسحب الأكراد جنوب المنطقة المسماة آمنة 30 كيلومترا جنوب الحدود.
وتكرر الأمر مع الجانب الأمريكي الذي تعهد قبلها لأنقرة بسحب الأكراد مقابل وقف العملية التركية، وصدرت تقديرات تركية مبنية على معلومات خاطئة، كما في بيان وزارة الدفاع التركية، الذي قال، إن الولايات المتحدة أبلغت أنقرة بأن انسحاب المقاتلين الأكراد من المنطقة الآمنة في شمال سوريا قد اكتمل وأنه لا توجد حاجة في هذه المرحلة لشن عملية أخرى خارج المنطقة الحالية للعمليات، طبعا هذا قبل ثلاث سنوات، وما زلنا إلى اليوم نرى تهديدا تركيا بشن العملية للسبب نفسه وهو سحب القوى الكردية، مع الفرق الوحيد، أن أنقرة أدركت خطأ تقديراتها في شمال سوريا، ولو متأخرة ثلاث سنوات، وفهمت أن لا مناص من القبول بمنطق بوتين في شمال سوريا.
فهو يهدف أولا في الشمال لإعادة سيطرة النظام السوري وإبعاد النفوذ الأمريكي، وإن تم سحب القوى الكردية فإن ذلك يجب أن يكون لمصلحة عودة النظام، ولذلك بات أردوغان أخيرا يعلن رغبته الملحة بالتقارب مع الأسد بوساطة روسية، لتمشي عقارب الساعة التركية وفق توقيت البوصلة الروسية في سوريا، والخاسر الوحيد هنا هو المعارضة السورية، التي غالبا ما كانت تقديراتها لخصومها ولمواقف لحلفائها خاطئة، ولم تفهم لا منطق بوتين ولا منطق أردوغان!

*وائل عصام كاتب صحفي فلسطيني

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

ما الذي عطّل لقاء بايدن وبوتين؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة