عام ترامب بكل جدارة

محمود زين الدين27 ديسمبر 2018آخر تحديث :
عام ترامب بكل جدارة

عام ترامب بكل جدارة

  • تراجع مؤخرا معدل النمو الأميركي وأسواق المال، وانخفض سعر النفط، وارتفعت أسعار الفوائد، وزادت المديونية العامة!
  • لغته لا تعترف بالدبلوماسية أو انتقاء اللفظ أو مراعاة جنوسة من يهاجمه، ذكراً كان أم أنثى.
  • تسير الأمور حول قضية باتجاه ما فتراه يعكس ذلك الاتجاه دون سابق إنذار، أو ينتقل اهتمامه لموضوع آخر، تاركاً الأول بدون حل.

 

بقلم: جواد العناني

لا شك في أن اسم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سيرتبط بعام 2018 ارتباطاً وثيقاً. وقد تمكّن، خلال الأشهر التسعة الأولى، من تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية، على الأقل في المدى المنظور. ولكنه، في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وقَع في عدد من المشكلات، والتي تدنيه أحياناً من احتمالات الوقوع في حفرة الخلع، على ماضيه الذي تثور حوله جدليات كبيرة داخل الولايات المتحدة.

استغل الرئيس الأميركي وضعه وقوته ليبقى دائماً في الصورة الإعلامية. ولو كان هذا الرجل ممثلاً سينمائياً لاختطف الأضواء والكاميرات والكادر من كل من يشارك معه في أي فيلم. وقد نجح في إنجاز ذلك عن طريقين:

الأول، عنصر المفاجأة، إذ تكون الأمور حول قضية تسير باتجاه ما، فتراه إما أن يعكس ذلك الاتجاه من دون سابق إنذار، أو أنه ينتقل في اهتمامه إلى موضوع آخر، تاركاً الموضوع الأساس معلقاً من دون حل. ولذلك ترى المعلقين عليه والمتابعين لقراراته وسياساته في الكونغرس، وفي العالم، وفي دنيا الإعلام، حيارى تائهين، كيف يفسّرون هدا التحول.

الطريق الثاني هو لغته التي لا تعترف بالدبلوماسية أو الانتقائية اللفظية، أو حتى مراعاة جنوسة من يهاجمه، ذكراً كان أم أنثى.

وباستخدام اللغة المختصرة عبر وسيلة التواصل الاجتماعي “تويتر”، فإنه يقول بكلمات قليلة ما يشغل الدنيا وإعلامها، لأنها في العادة جمل مختصرة، عدوانية أو مستفزة، وفي الوقت نفسه غامضة، لا تعرف في أي اتجاهٍ سيسلك هذا الرئيس حيالها.

لقد استطاع الرئيس أن يخسر من وزرائه ومعاونيه الأساسيين عدداً كبيراً. ولقد استقال، خلال عام 2018، وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، وجاء مكانه مايك بومبيو، الذي كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).

واستقال كبير موظفي البيت الأبيض، واستقالت مندوبة أميركا لدى الأمم المتحدة غير مأسوف عليها، نيكي هيلي. وأخيراً وليس آخراً وزير الدفاع جيمس ماتيس.

وانقلب عليه كثيرون من أصدقائه الجمهوريين في مجلس الشيوخ ومجلس النواب، أمثال بول ريان، وأخيراً ليندسي غراهام، وبوب كوركر من مجلس الشيوخ، أما روبيو وبول راند، فهما منافسان له في الانتخابات الماضية، وحبل الود معه بالنسبة لهما غير موصول.

ولقد ركّز على كوريا الشمالية، والتقى برئيسها، بعد وساطةٍ من كوريا الجنوبية، في سنغافورة، ولكنه عاد وجمّد تلك العلاقات. وكذلك دافع عن ولي العهد في المملكة العربية السعودية، محمد بن سلمان، في قضية قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، ولكنه لم يقاوم اتخاذ قرار بالإجماع ضد بن سلمان في الكونغرس.

وانسحب من اتفاقيات سابقة وقّعها أسلافه، مثل اتفاقية التجارة الحرة مع شمال أميركا ومع كل من كندا والمكسيك (نافتا)، وانسحب من اتفاقية البيئة الموقّعة في باريس، رغم احتجاجات قادة العالم، وانسحب من اتفاقية التجارة الحرة مع الصين، وانسحب من الاتفاق على تحديد الأسلحة النووية مع روسيا، وخرج من الاتفاق النووي مع إيران وحاصرها اقتصادياً.

فيما يهمّنا نحن، فقد قام باستفزاز الأمة العربية والإسلامية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، معترفا بها، على حد زعمه، “عاصمة أبدية” لإسرائيل، وقطع المساعدات عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وعن السلطة الفلسطينية، وأغلق المكاتب الدبلوماسية لمنظمة التحرير في الولايات المتحدة. وقدّم صفقة القرن، ولكن يبدو أنه أجّلها.

واقتصادياً، سعى ترامب إلى فرض قيود تجارية على كل حلفائه وشركائه الاقتصاديين في العالم، وطالب بالإبقاء على سياسة نقدية سهلة داخل الاقتصاد الأميركي. وأغضبه رفض مجلس إدارة الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) الأخذ بطلبه عدم رفع أسعار الفائدة، وها هو يهدّد بعزل رئيس هذا البنك.

وباستثناء قناة فوكس وبعض الإذاعات والصحف، فإن كل الجسم الإعلامي الأميركي ضده. وقد تخصصت قنوات إخبارية شهيرة في الحديث عنه، نقداً وانتقاداً، طوال الوقت، وكأن باقي أخبار العالم ليست مهمة.

وها هو يدخل الآن في صراعٍ مع المحقق الفيدرالي، روبرت مولر، الذي يعمل بهدوء. ورغم محاولات استهدافه المستمرة من الرئيس الأميركي ترامب، إلا أن مولر بقي صامداً، وربما تزداد قوته في العام المقبل (2019).

وقد انقلب على الرئيس كثيرون ممن عملوا معه، عندما أدركوا أنه ربما يستخدمهم كحجارة شطرنج، لإنقاذ نفسه، مثل المحامي مايكل كوهين، وجون كيلي، وغيرهم كثيرين.

تراجع في الأشهر القليلة الماضية معدل النمو الأميركي، وتراجعت أسواق المال، وانخفض سعر النفط، وارتفعت أسعار الفوائد، وزادت مديونية الولايات المتحدة. وبدأت هشاشة المواقف الرئاسية أكثر وضوحاً بعد خسارة حزبه الجمهوري الأكثرية في مجلس الممثلين (النواب) بعدد كبير. وها هو واقعٌ في أزمة موازنة بشأن تمويل الحائط الذي وعد ببنائه على الحدود مع المكسيك.

مستقبل الرجل غامض مثل سياساته. وكان الله في عون حلفائه، قبل خصومه وأعدائه.

* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني سابقا.

 

المصدر: العربي الجديد 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة