صدام الحضارات في مونديال قطر 2022

الساعة 2528 نوفمبر 2022آخر تحديث :
مونديال قطر 2022

الظواهر الملفتة والصادمة التي شهدناها في كأس العالم في قطر كانت في صِدام الثقافات والحضارات. بدلا من أن تكون بطولة كأس العالم عامل توحيد وتعايش وتسامح وفرصة لفهم والاطلاع على معتقدات الآخرين.

منع الأمن القطري دخول المشجعين والجماهير الإنكليزية الذين كانوا يرتدون ملابس ويحملون صلبانا شبيهة بملابس وصلبان مقاتلي الحملات الصليبية التي امتدت على مدى 200 عام احتلوا أجزاء من بلاد الشام.

هذا كله يفخخ العلاقات على صدع فوبيا صِدام بين الحضارة الإسلامية والغرب العلماني العنصري. بمحاولات الغرب فرض ثقافته وفكره وعاداته وممارساته على باقي الحضارات لدرجة التنمر والترهيب.

* * * *

بقلم: د. عبد الله خليفة الشايجي

سيتذكر الجيل الحالي والأجيال القادمة بفخر واعتزاز أن دولة قطر كانت أول دولة خليجية وعربية ومسلمة وشرق أوسطية تستضيف كأس العالم لكرة القدم 22 وتكسر سقف وحاجز احتكار البطولة العالمية الأهم على مستوى العالم. لتتجاوز السبع عشرة دولة المستضيفة، خاصة وبعض الدول استضافت كأس العالم مرتين كألمانيا، البرازيل، فرنسا، إيطاليا والمكسيك! ما يؤسس لنقلة نوعية مهمة وتحول ملفت.

والملفت أن استضافة قطر لكأس العالم ليست حدثاً عادياً ويتوقع الكثيرون وعلى رأسهم رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم بأنها ستكون أنجح كأس عالم على الإطلاق. خاصة وأن ما شهدناه في الأسبوع الأول من كأس العالم كان مفاجآت ملفتة، يعزز ذلك التقييم. كان أبرزه انتصار السعودية التاريخي على ميسي القائد ومنتخب الأرجنتين بطل العالم في كأس العالم مرتين. وهزيمة اليابان لبطل العالم 4 مرات ألمانيا.

كما كان ملفتا ومعبراً رفض المشجعين القطريين والعرب إجراء مقابلات مع إعلاميين إسرائيليين ما يعكس حجم مأزق دمج إسرائيل شعبياً، وسط العالم العربي برغم تهافت التطبيع الذي توقف قطاره في آخر محطة عربية له في المغرب قبل أكثر من عامين.

لكن الظواهر الملفتة والصادمة التي شهدناها في كأس العالم في قطر كانت في صِدام الثقافات والحضارات. وبدلا من أن تكون بطولة كأس العالم عامل توحيد وتعايش وتسامح وفرصة لفهم والاطلاع على معتقدات الآخرين وفي حالة قطر، تفهم واحترام تعاليم الدين الإسلامي والخطوط الحمراء والمحرمات الشرعية، مثل حرمة المثلية والشواذ وشرب الخمر وغيرها من الممارسات المحرمة، شهدنا عكس ذلك من استفزاز ومحاولات مسؤولين ولاعبين لفرض ثقافتهم وحضارتهم على المجتمع القطري والخليجي والعربي والمسلم في كأس العالم في الدوحة، وبصورة خلت من الكياسة والذوق والاحترام.
لذلك بدا الغرب كمن يريد فرض ثقافته بشكل فوقي مزدرياً معتقدات وثقافة الآخرين. وحسناً تمسكت قطر وساندها الاتحاد الدولي لكرة القدم بمنع ارتداء شارات المثليين ومعها منع بيع البيرة والكحول في الملاعب أثناء لعب المباريات.

وبرغم مطالبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدم تسييس الرياضة، وكذلك طلب وزير خارجية بريطانيا الجديد احترام خصوصية الدولة المضيفة لكأس العالم قطر، أنه كان صادماً ومستفزاً إصرار وزيرة داخلية ألمانيا على وضع إشارة المثليين على ذراعها في مقصورة كبار الشخصيات وأمام المسؤولين من قطر ورئيس الفيفا. وسبق ذلك وضع اللاعبين الألمان في صورة جماعية أيديهم على أفواههم احتجاجاً على منع قادة ستة منتخبات أوروبية وضع شارة المثليين في المباريات. كما أيدت حق وضع إشارة الملثيين الدنمارك ووزيرة الرياضة الفرنسية. فيما عبر قادة فرق أوروبية مشاركة في كأس العالم رفضهم إقحام تلك الخلافات في الرياضة.

كذلك منع الأمن القطري دخول المشجعين والجماهير الإنكليزية الذين كانوا يرتدون ملابس ويحملون صلبانا شبيهة بملابس وصلبان مقاتلي الحملات الصليبية التي امتدت على مدى 200 عام احتلوا أجزاء من بلاد الشام. حاصروا واحتلوا القدس عام 1099 حتى حررها صلاح الدين الأيوبي باستسلام الصليبيين وتحرير القدس عام 1187.

حذر المفكر الأمريكي الراحل صامويل هنتنغتون في دراسته ولاحقاً في كتابه المعروف صِدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي، قبل ثلاثين عاماً من المواجهة والصدام بعد الحرب الباردة لن يكونا صراعاً إيديولوجياً كما كان بين الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي والرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة، بل سيكونان بين الحضارات والثقافات، وصنف الحضارات بالغربية واللاتينية والصينية والهندية والإسلامية والأرثوذكسية.
حاجج هنتنغتون في كتابه المؤثر «صِدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي» بأن الصراع القادم بين «العالم المسيحي» بقيمه العلمانية مقابل «العالم الإسلامي» وتعالميه الدينية. وهذا ما نشهده اليوم بشكل صارخ في المواجهة التي تتفاعل اليوم في كأس العالم في قطر والتي تعكس ما ذهب إليه هنتنغتون بصراع بين حضارات المشرق المسلم والغرب العلماني.
حيث يسعى الغرب الذي يزداد علمانية وشعوبية وتطرفاً وينتخب مع إسرائيل غلاة اليمين المتطرف، وصل لتحقيق قادة اليمين المتطرف نتائج واسعة كما شهدنا هذا العام في فرنسا مع لوبان. ومؤخراً فازت أحزاب اليمين المتطرف الفاشي في السويد وإيطاليا. كما كان صادماً مطلع شهر نوفمبر، فوز اليمين الفاشي الديني في انتخابات الكنيست في إسرائيل الذي سيتحالف معهم نتنياهو كحزب العظمة اليهودية المتطرف ليعود ويشكل أكثر حكومة يمينية متطرفة فاشية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي.
لذلك غير مستغرب تجليات معارضة عنصرية ورفض استقبال المهاجرين واللاجئين العرب والمسلمين في الغرب وطردهم بعنف من اليونان إلى بولندا، وفي المقابل شهدنا الترحيب باللاجئين بملايين اللاجئين الأوكرانيين.
هذا كله يفخخ العلاقات على صدع فوبيا صِدام بين الحضارة الإسلامية والغرب العلماني العنصري. بمحاولات الغرب فرض ثقافته وفكره وعاداته وممارساته على باقي الحضارات لدرجة التنمر والترهيب، يعزز ذلك قوانين وتشريعات في أوروبا وعدة ولايات أمريكية قوانين شرعت زواج وتعايش المثليين وأطلقوا علمهم قوس قزح وانتخبوا ممثلين لهم في البرلمانات الأوروبية والكونغرس الأمريكي في انتخابات التجديد النصفي مطلع هذا الشهر نواباً وحاكمات ولايات أمريكية وشخصيات سياسية تتبوأ مراكز مهمة في النظام السياسي.
واليوم بتمدد ظاهرة العولمة والترابط والتشابك بين الشعوب والدول، وسهولة انتقال الأفكار والممارسات كما نشاهد ونتابع والتصرفات في كأس العالم في قطر، تتأكد صحة نبوءة هنتنغتون.

*د. عبد الله خليفة الشايجي أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

إفساد الرياضة بعاهات ثقافة العولمة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة