روسيا الكبرى.. أمنها الإقليمي أو الأوروبي؟

محمود زين الدين1 أبريل 2022آخر تحديث :
روسيا

أفول التفوّق الأميركي من شأنه أن يجعل لعبة القوّة بين الأمم محفوفة بكلّ أنواع المخاطر!
كيف ستكون ردّات فعل صانعي السياسات الأميركيّة في حال حقّقت روسيا شوطاً ملحوظاً في عمليّة استعادة السيطرة على شرق أوروبا؟
نتوقع من روسيا الكبرى أن تستوحي النموذج الأميركي حول الهيمنة الإقليميّة لكي تستعيد موقعها مهيمناً إقليميّاً في أوروبا.
تسعى روسيا لتوظيف المواجهة بأوكرانيا لتوسيع فجوة القوّة لأقصى حدٍّ بينها وبين حلف شمال الأطلسي، فلا يكون لدى أي دولة في أوروبا وسائل لتهديد أمنها.
يُرجّح أن تتعامل أميركا مع روسيا بنفس طريقة تعاملها مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة بل ربّما تتجاوز سياسة الاحتواء إلى سياسة التفكيك!
سيكون لدى أميركا الساعية للحفاظ على موقعها المهيمن بكلّ الوسائل دوافع قويّة لتعبئة كل العوامل الآيلة لإشعال حروب وقائيّة بالوكالة تستهدف روسيا أو الصين.
تعاملت إدارة كينيدي مع أزمة الصواريخ السوفياتيّة في كوبا بوصفها تهديداً محتملاً للأمن القومي الأميركي وينبغي أن ينطبق المنطق نفسه على روسيا في أوكرانيا.
إذا كان العالم الأحادي القطب يشهد تراجعاً أميركياً، فإنّ دخول روسيا إلى جانب الصين حقل المنافسة بين القوى العظمى، سيضع بنهاية المطاف حدّا للأحاديّة القطبيّة.
* * *

بقلم: ميشال نوفل
إن تحقيق الهيمنة يُعتبر الهدف النهائي للدول الكبرى لمجرّد بلوغها مرتبة القوّة العظمى، لكونه أفضل ضمانة للبقاء. غير أنّ تحقيق هذا الهدف، وكذلك الحفاظ عليه، هما أمران في غاية الصعوبة. ولذلك فإنّ أفضل نتيجة يمكن أن تطمح إليها الدولة الكبرى، هي أن تصبح مهيمناً إقليميّاً، الأمر الذي يعني سيطرتها على المجال الجغرافي الخاص بها أو مجالها الحيوي.
وثمّة هدف إضافي للدولة الكبرى التي تحقّق هيمنة إقليميّة، وهو أنّها تسعى إلى منع القوى الكبرى في أقاليم جغرافيّة أخرى من تحقيق المكانة نفسها التي وصلت هي إليها؛ فالقوى الإقليميّة المهيمنة يصعب عليها تحمّل وجود نظراء منافسين لها.
بناء على هذا النموذج التفسيري paradigm، فإنّ الولايات المتحدة قد حقّقت أولاً سيطرة إقليمية في القارّة الأميركيّة ثمّ راحت تبذل قصارى جهدها كقوّة عظمى لمنع القوى الكبرى الأخرى من السيطرة على آسيا وأوروبا، وكذلك فعلت قبلها الامبراطوريّة البريطانيّة.
مقاربة روسيا الكبرى
إذا كان صحيحاً ما تقوله مفاهيم “الواقعيّة البنيويّة” في مقاربتها لعلاقة القوى العظمى بالهيمنة، علينا أن نتوقع من روسيا الكبرى أن تستوحي النموذج الأميركي حول الهيمنة الإقليميّة لكي تستعيد موقعها مهيمناً إقليميّاً في أوروبا، أو أن تسعى إلى تحويل اختبار المواجهة في أوكرانيا وسيلةً لتوسيع فجوة القوّة إلى أقصى حدٍّ بينها وبين حلف شمال الأطلسي، بحيث لا يكون لدى أي دولة في أوروبا الوسائل لتهديد أمنها.
وليس غريباً أن تحاول روسيا ذات الطاقة العسكرية الفائضة بفضل تأمين عمقها الآسيوي بالتفاهم الاستراتيجي مع الصين، دفع القوّات العسكريّة الأميركيّة خارج شرق أوروبا، وذلك بالطريقة نفسها التي اعتمدتها الولايات المتحدة لدفع القوى العظمى الأوروبية خارج النصف الغربي من الكرة الأرضية في القرن التاسع عشر، وهي العملية التي تُوّجت بمبدأ مونرو (سنة 1823).
ومن وُجهة نظر روسيا المدفوعة بالنزعة الامبراطوريّة بقيادة فلاديمير بوتين، تبدو هذه الأهداف منطقيّة جيوسياسيّا، إذ من الطبيعي أن ترغب موسكو (العائدة بقوّة إلى المسرح الدولي) في أن تكون جاراتها الأوروبيّة، ولا سيّما منها أوكرانيا وألمانيا، ضعيفة عسكريّاً مثلما تفضّل واشنطن أن تكون كندا والمكسيك ضعيفتّين عسكريّاً على حدودها.
ويتذكّر جميع الروس ما حصل في الحرب العالمية الثانية عندما كانت ألمانيا النازيّة قويّة والاتحاد السوفياتي ضعيفاً، كما أنّه لا سببٍ يدعو روسيا الشاهدة على العجز الأميركي الاستراتيجي في أفغانستان والعراق وسوريا، إلى قبول وجود قوّات عسكريّة أميركيّة فاعلة في فناء بيتها السلافي الأرثوذوكسي، مثلما هي الحال الآن.
ومن السهل أن نتصوّر ردّة الفعل لدى أصحاب القرار في واشنطن، في حال أقدمت أيٍّ من القوى العظمى الأخرى على إرسال قطعات عسكريّة وازنة إلى النصف الغربي من الكرة الأرضيّة.
وقد تعاملت إدارة كينيدي مع أزمة الصواريخ السوفياتيّة في كوبا (1962) بوصفها تهديدا محتملاً للأمن القومي الأميركي، وينبغي أن ينطبق المنطق نفسه على روسيا في أوكرانيا حالياً.
أفول التفوّق الأميركي؟
كيف ستكون ردّات فعل صانعي السياسات الأميركيّة في حال حقّقت روسيا شوطاً ملحوظاً في عمليّة استعادة السيطرة على شرق أوروبا؟
الولايات المتحدة، كما تفيد التجربة التاريخيّة مع ألمانيا واليابان والاتحاد السوفياتي، لا تقبل بوجود نظراءٍ منافسين لها، وقد أوضحت ذلك خلال القرن العشرين، فضلاً عن كونها مصمّمة على أن تظلّ هي المهيمن الوحيد.
لذا يرجّح أن تسعى واشنطن بكلّ جهدها لمنع عودة روسيا إلى قمّة السياسة الدوليّة وذلك عبر إضعافها بكل الوسائل الاقتصاديّة والماليّة والعسكريّة إلى الحدِّ الذي لا تعود تُشكّل تهديداً لتحالف القوى الغربيّة.
لذلك، من المرجّح أيضاً أن تتعامل الولايات المتحدة مع روسيا بالطريقة نفسها (الى حدٍّ ما) التي تعاملت بها مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، بل ربّما تتجاوز سياسة الاحتواء إلى سياسة التفكيك.
ومن المؤكّد أنّ الدول الأوروبيّة ستجد نفسها تحت وطأة ضغوط هائلة، لقطع الطريق على أيّ محاولة لانتهاج سياسات مستقلّة أو متميّزة إزاء موسكو، وسيكون التركيز الأميركي على وحدة التحالف الأطلسي هو أداة رئيسيّة في هذا المجال.
وهناك تصوّرات واقعيّة أخرى تفترض أنّه إذا كان العالم الأحادي القطب يشهد تراجعاً أميركياً، فإنّ دخول روسيا إلى جانب الصين حقل المنافسة بين القوى العظمى، سيؤدي في نهاية المطاف إلى وضع حدٍّ للأحاديّة القطبيّة.
وعندما يحصل ذلك يمكن أن يتحوّل العالم إلى مكانٍ أكثر اضطراباً، وذلك لأنّ وقوع حرب بين القوى العظمى في إطار نظام التعدّدية القطبيّة يبقى أمراً محتملاً، وإن كانت الحرب هذه مستبعدة عندما يحكم نظام الاستقطاب قوّتان عظميان مثل روسيا وأميركا.
إضافةً إلى ذلك، إذا استمرت الصين والهند في الصعود، سيكون هناك عددٌ لا بأس به من القوى العظمى في النظام الدولي، وهو أمرٌ يضاعف احتمال وقوع صراع شديد بين القوى العظمى.
أخيراً، قد يجادل الواقعيّون البنيويّون الذي يعتقدون بأنّ التفوّق أو رجحان كفّة القوّة، يولّد السِّلم والتهدئة، بأنّه كان لقوّة الولايات المتحدة الثقل في إحلال التوازن في السياسة الدوليّة، ولم يكن هناك أيّ قوّة عظمى أخرى تجرؤ على افتعال اشتباك مع أميركا ما دامت تجلس على قمّة القوى العالميّة.
لكن من الواضح أنّ ذلك الوضع تغيّر بعدما وصلت الصين إلى مستوى باتت فيه توازن قوّة الولايات المتحدة إن لم تكن قد تجاوزتها.
ومن شبه المؤكّد أن أفول التفوّق الأميركي من شأنه أن يجعل لعبة القوّة بين الأمم محفوفة بكلّ أنواع المخاطر، كما سيكون لدى الولايات المتحدة الساعية إلى الحفاظ على موقعها المهيمن بكلّ الوسائل، دوافع قويّة لتعبئة كل العوامل الآيلة إلى إشعال حروب وقائيّة بالوكالة تستهدف روسيا أو الصين.
* ميشال نوفل ميشال نوفل كاتب وصحافي لبناني
المصدر: 180 بوست

موضوعات تهمك:

الصين وروسيا يقدمان رؤيتهما لـ”نظام عالمي جديد” متعدد الأقطاب

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة