دفء روما يُبعد باريس ومدريد عن الجزائر

محمود زين الدين2 يونيو 2022آخر تحديث :
روما

توجت زيارة تبون لإيطاليا بالتوقيع على اتفاق يقضي برفع إمدادات الغاز الجزائرية إلى ايطاليا بواقع 9 مليارات دولار.
تريد الجزائر تعزيز العلاقات أكثر مع إيطاليا والقيام معا بمزيد من الاكتشافات تسمح بزيادة الإمدادات والتحول إلى موزع للغاز في أوروبا.
أهمها الاتفاقيات تلك الموقعة بين شركة المحروقات الحكومية الجزائرية “سوناطراك” وعملاق الطاقة الإيطالي “إيني” لتسريع تطوير حقول الغاز المكتشفة بالجزائر.
مقابل التقارب الكبير بين الجزائر وروما والذي جاء في عز أزمة طاقة عالمية، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، تشهد علاقات الجزائر بفرنسا وإسبانيا برودة غير مسبوقة.
* * *
غلبت كفة العلاقات الجزائرية في الفترة الأخيرة مع أكبر ثلاثة شركاء لها في القارة الأوروبية لصالح إيطاليا على حساب فرنسا وإسبانيا.
والأربعاء الماضي، بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، زيارة عمل رسمية إلى إيطاليا استمرت ثلاثة أيام، التقى فيها رئيس البلاد سيرجيو ماتاريلا، ورئيس الوزراء ماريو دراغي، وعدد من المسؤولين.
وحل تبون، الجمعة، بمدينة نابولي، رفقة نظيره الإيطالي ماتاريلا، بعد أن استقلا القطار معا من روما وصولا إلى عاصمة الجنوب.
وتأتي الزيارة بعد تلك التي قام بها في 11 أبريل/ نيسان الماضي، رئيس الوزراء الإيطالي إلى الجزائر، وتوجت بالتوقيع على اتفاق يقضي برفع إمدادات الغاز الجزائرية إلى ايطاليا بواقع 9 مليارات دولار.
تعزيز الشراكة في الطاقة وخارجها
وتوجت الزيارة بالمصادقة على خمس اتفاقيات، أهمها تلك الموقعة بين شركة المحروقات الحكومية “سوناطراك”، وعملاق الطاقة الإيطالي “إيني” لتسريع تطوير الحقول الغازية المكتشفة في الجزائر.
كما وقّع البلدان على اتفاقيات في مجال محاربة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الجماعات الإرهابية والمؤسسات الصغيرة والناشئة.
وقال الرئيس الجزائري خلال الزيارة، إن بلاده “تريد تعزيز العلاقات أكثر مع إيطاليا والقيام معا بمزيد من الاكتشافات تسمح بزيادة الإمدادات والتحول إلى موزع للغاز في أوروبا”.
ووفق تبون، فإن الشراكة بين البلدين “ستمتد من مجال المحروقات والطاقات المتجددة إلى أخرى زراعية وصناعية على غرار بناء السفن والصناعات الحربية، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة”.
وخلال لقاء مع ممثلين عن جالية بلاده في روما، قال تبون إن إيطاليا “وقفت دوما” مع الجزائر خلال المراحل الصعبة سواء خلال الثورة التحريرية (1954 -1962) أو خلال العشرية السوداء في سنوات التسعينات من القرن الماضي.
وأضاف تبون في هذا الصدد، أن العلاقات مع إيطاليا “لم يسبق وأن عرفت ولو سحابة صيف واحدة”، في إشارة لجودة العلاقات بين البلدين على مرّ العقود.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك بين رئيسي البلدين، ظهر تطابق للرؤى في عديد القضايا الدولية والإقليمية على غرار ليبيا وتونس.
وقدم كل من الرئيس الإيطالي، ورئيس الوزراء شكرهما للجزائر لكونها “شريك موثوق واستراتيجي”، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الايطالية “آنسا”.
وعلق رئيس الوزراء الإيطالي، على الزيارة بالقول: “تلوح أمامنا العديد من الفرص للشركات الإيطالية في السوق الجزائرية، وهناك انفتاح كبير من الرئيس الجزائري من أجل إقامة شراكة أوسع من أي وقت مضى”، بحسب المصدر ذاته.
وحسب وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، بلغت المبادلات التجارية بين البلدين في 2021، 8.5 مليارات دولار، منها 6.24 مليار دولار صادرات جزائرية إلى إيطاليا، و2.26 مليار دولار واردات من البلد الأوروبي.
برودة وجمود تجاه باريس مدريد
ومقابل هذا التقارب الكبير بين الجزائر وروما والذي جاء في عز أزمة طاقة عالمية، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، تشهد علاقات الجزائر بفرنسا وإسبانيا برودة غير مسبوقة.
بالنسبة لفرنسا وبعد الأزمة التي أثارتها تصريحات رئيسها إيمانويل ماكرون، الخريف الماضي، والتي وصفت بالمسيئة بحق الجزائر وتاريخها، جرت محاولات إعادة المياه إلى مجاريها، حيث بادرت بها باريس في أكثر من مناسبة، إلا أن العلاقات ما زالت تتسم بالبرودة.
وبداية أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، اندلعت أزمة بين البلدين تمثلت في استدعاء الجزائر سفيرها لدى باريس للتشاور احتجاجا على تصريحات لماكرون، شكك فيها بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830-1962) واتهم النظام السياسي القائم، بأنه يستقوي بريع الذاكرة، قبل أن تعلن عودته أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي.
وبعد إعادة انتخاب ماكرون، في أبريل/ نيسان الماضي، تلقى الرئيس الفرنسي دعوة من نظيره الجزائري لزيارة البلاد بمناسبة رسالة تهنئة بعث بها له.
وباستثناء زيارات وزير خارجية فرنسا السابق، جان إيف لودريان، إلى الجزائر، التي وصفت بأنها مساعي رجل إطفاء في محاولة لرأب الصدع الحاصل، غابت زيارات الرسميين الفرنسيين منذ 8 أشهر.
وقبل أسبوع، حل وفد من أكبر تنظيم لرجال الأعمال في فرنسا (منظمة ميداف) بالجزائر، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 2018.
وعقد الوفد اجتماعات مع منظمات من رجال الأعمال الجزائريين، والتقى وزير الصناعة أحمد زغدار، إلا أن الاتفاقيات والمشاريع والصفقات غابت تماما خلال هذه الزيارة.
أما مدريد، فخلّف موقف رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، بخصوص إقليم الصحراء، ردود فعل غاضبة في الجزائر، واعتبره الرئيس تبون، بأنه “غير مقبول لا أخلاقيا ولا تاريخيا”.
وفي 18 مارس/ آذار الماضي، وصفت الحكومة الإسبانية، في رسالة بعث بها رئيسها بيدرو سانشيز، إلى العاهل المغربي محمد السادس، مبادرة الرباط للحكم الذاتي في إقليم الصحراء، بـ”الأكثر جدية” للتسوية في الإقليم المتنازع عليه، بحسب بيان للديوان الملكي المغربي.
وعقب ذلك بيوم، أعلنت الجزائر استدعاء سفيرها في مدريد للتشاور على خلفية الموقف الجديد لمدريد بشأن قضية الصحراء.
وقبل أسابيع، حذرت الجزائر إسبانيا من مغبة تحويل أي كميات من الغاز الجزائري عبر عكس حركة التدفق في أنبوب الغاز “المغرب العربي- أوروبا” المار عبر المغرب، وجرى إيقاف العمل به الخريف الماضي.
وسبق لمصدر في شركة “سوناطراك” للمحروقات، قوله إن الأزمة بين الجزائر ومدريد “يمكن أن تؤجِل أو تلغي نهائيا رفع قدرات خط ميدغاز للغاز الطبيعي الرابط بين البلدين مباشرة عبر المتوسط”.
وكان من المفروض أن يتم تشغيل قدرات نقل إضافية لهذا الأنبوب لترتفع من 8 مليارات متر مكعب سنويا حاليا إلى 10.6 مليارات متر مكعب.
كما غابت زيارات المسؤولين أو رجال أعمال إسبان منذ مارس/ آذار الماضي، عقب موقف مدريد من إقليم الصحراء.
مصالح وتحديات مشتركة
ويرى الصحافي والمحلل، بموقع “ديكود 19” الإيطالي ماسيميليانو بوكوليني، أن زيارة تبون إلى إيطاليا “تأتي في إطار الزيارات السابقة التي قام بها الممثلون الإيطاليون للجزائر في الأشهر الأخيرة، وترتبط بتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين”.
وأوضح بوكوليني، أن هناك “روابط تاريخية بين إيطاليا والجزائر من ناحية، وهناك أيضا تحديات مهمة للبلدين لاسيما في قطاع الطاقة، في ظل الحرب في أوكرانيا، ووجود تحديات أمنية تؤثر على المنطقة بأسرها”.
ويرى أن هذه الزيارة “رابط إضافي لسلسلة الزيارات والعلاقات السابقة، وستساعد في نسج شبكة التعاون الاستراتيجي، الذي تم إطلاقه بين إيطاليا والجزائر”.
واعتبر بوكوليني، أن من “مصلحة إيطاليا تطوير العلاقات مع الجزائر، لاسيما في قطاع الطاقة، ويتعين عليها الاستغناء عن الغاز الروسي”.
وكانت روسيا أطلقت عملية عسكرية خاصة بأوكرانيا، في 24 فبراير/ شباط الماضي، ما أسفر عن فرض عقوبات عليها.
المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

حرب أوكرانيا.. منعطف طويل

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة