جولات فيينا ومحنة روبرت مالي

محمود زين الدين6 ديسمبر 2021آخر تحديث :
فيينا

ليس مستبعداً أن جولات فيينا فقدت المعنى بدورها من وجهة نظر إيران على الأقلّ أسوة بخطّة الاتفاق النووي المعطّل.

لا يلوح أنّ خصال روبرت مالي مسؤول ملفّ إيران بالخارجية الأمريكية يمكن أن تتحوّل لمواهب دبلوماسية كفيلة باجتراح اختراق هنا أو تذليل عقبة هناك.

مالي يُتّهم اليوم بهوى فارسي أو انحياز إيراني طبقاً لمصدر الاتهام: إذا كانت إسرائيلية الدوافع فتعتمد التهمة الثانية وإذا كانت من الصقور فالتهمة الأولى مفضّلة.

مالي مطالَب بالتوفيق بين خراب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وشروط إيران بإبطال جميع العقوبات ومراعاة مخاوف إسرائيل وحلفاء الأطلسي حول صواريخ إيران ونفوذها.

*      *      *

بقلم: صبحي حديدي

مفردات «خطة العمل الشاملة المشتركة»، التسمية الرسمية للاتفاق الذي وقّعته إيران مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين حول برنامج إيران النووي، فقدت معانيها الفعلية تباعاً:

– باتت الخطة أقرب إلى رزمة من بنود التفاوض، القلقة المستعصية بقدر ما هي انفجارية حبلى بالالتباس؛ والعمل انقلب إلى جولات، بلغت الرقم السحري 7 دون نتيجة ملموسة؛

– والشامل انقلب إلى جزئيات متفرقة، تتصارع داخلها نزاعات تخصيب اليورانيوم مع أدوار «الحرس الثوري» الإيراني في مواقع شتى من الشرق الأوسط، وليس في اليمن والعراق ولبنان وسوريا فحسب؛

– وأمّا المشترك فصار ثلاثة: إيران، وروسيا + الصين، وأمريكا + الحلفاء في أوروبا والأطلسي.

ولا يلوح أنّ خصال روبرت مالي مسؤول الملفّ الإيراني في وزارة الخارجية الأمريكية، يمكن أن تتحوّل إلى مواهب دبلوماسية كفيلة باجتراح اختراق هنا أو تذليل عقبة هناك؛ وذلك بصرف النظر عن سجلّ وظيفي حمّال دلالات!

فقد عمل بمجلس الأمن القومي، ثمّ مساعد الرئيس الأمريكي الخاصّ للشؤون العربية الإسرائيلية، في رئاسة بيل كلنتون؛ مروراً بانتقاله إلى إدارة البرامج في «مجموعة الأزمات الدولية»، متنقلاً بين عمّان والقاهرة وبيروت وتل أبيب وبغداد؛ ثمّ عودته إلى مجلس الأمن القومي، بعد فترة انخراط في حملة باراك أوباما الرئاسية؛ وليس انتهاء بدوره في نصح أوباما ووزير خارجيته جون كيري خلال مراحل التفاوض على اتفاق 5+1 مع طهران سنة 2015.

وكان مالي، وهذه هي حاله اليوم، يُتّهم بـ«هوى فارسي» أو «انحياز إيراني» طبقاً للجهة التي توجّه الاتهام: إذا كانت إسرائيلية الدوافع، فالتهمة الثانية هي المعتمدة، وإذا كانت نيومحافظة أو صقرية فالتهمة الأولى هي المفضّلة.

ومع ذلك فإنّ مالي اليوم أعجز من جاني العنب من الشوك، فكيف بمستطعمِه من الدفلى، كما تقول أمثال العرب لأنه:

– مطالَب بالتوفيق بين الخراب الذي خلّفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عبر الانسحاب من الاتفاق في سنة 2018، أوّلاً؛

– والشروط الإيرانية، شبه النافلة وشبه الممتنعة، بإبطال جميع العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية التي فرضتها إدارة ترامب، ثانياً؛

– وملاقاة مخاوف دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهواجس الوكالة الدولية للطاقة النووية، والحليفات الأطلسيات، بصدد برامج إيران الباليستية وسلّة نفوذها في المنطقة، ثالثاً.

محنة مالي، التي كانت تتضاعف تلقائياً للاعتبارات السابقة وسواها، لم يكن ينقصها سوى انتخاب رئيس إيراني جديد أكثر تصلباً من سلفه حسن روحاني، ليس في شؤون جولات فيينا المعقدة أصلاً والتي تمنحه عتبات إضافية لتشدّد أكبر، فحسب؛ بل كذلك في طرائق توظيف محتويات سلّة النفوذ الإيرانية في استثمارات جيوسياسية أبعد، وأكثر كموناً من حيث المكاسب.

إلى هذا، انتقلت دولة الاحتلال الإسرائيلي في إطار ما يُسمى «حرب الظلّ» إلى ساحات إرهاب أخرى غير تخريب المنشآت واغتيال العلماء داخل إيران، حتى بات البعض يتحسر على ديماغوجيات بنيامين نتنياهو بالمقارنة مع تعطّش رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت إلى تنويع الجبهات وتسعير قواعد الاشتباك.

أخيراً، وليس آخراً أغلب الظنّ، أياً كانت صحة ما يتردد عن هوى مالي الفارسي أو انحيازه الإيراني، فإنّ ما يضيف إلى محنته لا ينأى كثيراً عن تعقيدات التكتيك التفاوضي الإيراني الراهن، الذي يدير لعبة إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 2015 حين جرى التوقيع على الاتفاق مع جماعة 5+1؛ والذهاب بمعدلات تخصيب اليورانيوم أعلى فأعلى.

ذلك لا يلغي حاجة طهران إلى رفع جزئي للعقوبات لأنها أصابت وتصيب الاقتصاد الإيراني في مقتل، من جهة أولى؛ ولكنه لا يجرّد طهران من غريزة التفاوض وفق عقلية البازار الأثيرة، من جهة ثانية.

وليس مستبعداً، استطراداً، أن جولات فيينا فقدت المعنى بدورها، من وجهة نظر طهران على الأقلّ؛ أسوة بالخطّة الأمّ، المعطّلة التائهة.

* صبحي حديدي كاتب سوري مقيم بباريس

المصدر| القدس العربي

موضوعات تهمك:

مفارقات إسرائيلية في مفاوضات فيينا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة