تصلب شرايين أوروبا يحولها إلى عجوز مريضة

محمود زين الدين8 سبتمبر 2022آخر تحديث :
أوروبا

شرايين أوروبا الطبيعية معطلة، كما هي شرايينها الصناعية الممثلة بأنابيب الغاز الروسي.
قلق أوروبي من عجز أنهار القارة عن إيصال شحنات الفحم لمحطات توليد الكهرباء نتيجة انخفاض منسوب الانهار وتعطل حركة الشحن فيها.
مؤشرات أولية تؤكد أن أوروبا عانت ركودا سيتحول مع الشتاء لانكماش اقتصادي لا تختلف مظاهره عن الحجر التي تبع تفشي وباء كورونا في القارة العجوز.
ستتفاقم الحال الشتاء المقبل وستواجه أوروبا نقص إمدادات الغاز الروسي باعتماد الفحم والنفط لتجاوز الشتاء القاسي بقارة عجوز تعاني تصلب الشرايين والصمامات.
* * *

بقلم: حازم عياد
انحسرت انهار اوروبا عن أحجار الجوع والتي كان أشهرها حجر نهر (البه) في جمهورية التشيك بدعوته من يراه الى البكاء.
صيف اوروبا حول انهارها الى معلم سياحي يفد اليه الزائرون من مختلف انحاء القارة لمشاهدة الاحجار في التشيك والمانيا في نهر الراين وغيره.
تحول الانهار الى معلم سياحي ليست المفارقة الوحيدة لجفاف الانهار في اوروبا؛ ذلك ان المفارقة الاقوى تمثلت بالقلق الاوروبي من عجز انهار القارة عن ايصال شحنات الفحم الى محطات توليد الكهرباء نتيجة انخفاض منسوب الانهار، وتعطل حركة الشحن فيها؛ فشرايين اوروبا الطبيعية معطلة، كما هي شرايينها الصناعية الممثلة بأنابيب الغاز الروسية.
اوروبا لم تعد قلقة من جفاف الانهار والتغيرات المناخية وارتفاع نسبة الكربون في الجو بقدر قلقها على شحنات الفحم، الملوث الاول المسؤول عن انبعاث غازات الاحتباس الحراري الذي تستعد القارة الاوروبية لمواجهته في مؤتمر شرم الشيخ للمناخ (كوب27) في نوفمبر/ تشربن الثاني المقبل.
العالم بات يعج بالتناقضات والمفارقات؛ مفارقات ستزداد حدة وقوة في الشتاء المقبل حيث ستواجه القارة نقص إمدادات الغاز من روسيا بمزيد من الاعتماد على الفحم والنفط لتوليد الكهرباء وكل وسيلة ممكنة لتجاوز الشتاء القاسي في القارة العجوز التي تعاني من تصلب في الشرايين الطبيعية والصمامات الصناعية.
فشتاء اوروبا بلا غاز رغم الحديث المتكرر لقادة الاتحاد الاوروبي عن رفع مخزوناتها من الغاز، ورغم التفاؤل ولغة التحدي الفارغة؛ فادعاء باريس بلوغها 90% من طاقتها التخزينية للغاز محاولة لطمأنة الجمهور الفرنسي، كما أن تأكيد ألمانيا انها بلغت نسبة معقولة وآمنة لا تفسر تخفيض الاستهلاك الى مستويات كبيرة تصل الى 15% في الشتاء المقبل.
تخفيض الاستهلاك وتدفق الطاقة في شرايين الحياة الاوروبية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سينعكس على مستويات الخدمات والحياة العامة والاجتماعية والنشاط التجاري والصناعي؛ فبدون تدفئة ستقل ساعات العمل، وتتقلص الانتاجية والنشاطات الترفيهية والحيوية في القارة العجوز التي ستنام مبكرًا أملًا في نهار مفرط بالنشاط.
من المبكر الحديث عن تداعيات نقص امدادات الغاز في الشتاء؛ فهناك الكثير من التفاصيل اليومية والمفاجآت التي لا يرغب المسؤولون الاوروبيون في الحديث عنها، إلا ان المؤشرات الأولية تؤكد ان اوروبا عانت من ركود طويل سيتحول مع مجيء الشتاء الى انكماش اقتصادي لا يختلف في مظاهره عن مظاهر الحجر التي تبع تفشي وباء كورونا في القارة العجوز.

* حازم عياد كاتب وباحث في العلاقات الدولية

المصدر: السبيل – عمان

موضوعات تهمك:

شتاء أوروبا لم يبدأ بعد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة