تايوان… لم تعد هفوة أميركيّة

الساعة 2525 سبتمبر 2022آخر تحديث :
تايوان

الأمر ليس هفوة عابرة، وإن كان المسؤولون في البيت الأبيض يحاولون في كل مرة التأكيد للصين، أن لا تغيير في السياسة الأميركية القائمة على “صين واحدة”.

“الغموض الاستراتيجي” الذي كان متبعاً من الرؤساء الأميركيين السابقين حيال الجزيرة، قد انتهى.

لم يعد مفيداً الإنكار أن ثمة واقعاً جيوسياسياً جديداً، فرضته رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارتها تايوان أوائل الشهر الماضي وما تلاه من رد صيني.

تايوان هي المحدد الرئيسي لمستقبل العلاقات الأميركية – الصينية.

* * * *

بقلم: سميح صعب

ليست المرة الأولى التي يؤكد فيها الرئيس الأميركي جو بايدن أن الولايات المتحدة ستهب للدفاع عن تايوان إذا ما تعرضت لغزو صيني، ما يعني، بحسب محللين غربيين، أن ما كان يسمى “الغموض الاستراتيجي” الذي كان متبعاً من الرؤساء الأميركيين السابقين حيال الجزيرة، قد انتهى.

وبحسب مجلة “بوليتيكو” الأميركية، فإن هذه المرة الرابعة منذ عام 2021، التي يؤكد فيها بايدن أن واشنطن عازمة على الدفاع عن الجزيرة، ما يشير إلى أن الأمر ليس هفوة عابرة، وإن كان المسؤولون في البيت الأبيض يحاولون في كل مرة التأكيد للصين، أن لا تغيير في السياسة الأميركية القائمة على “صين واحدة”.

لم يعد مفيداً الإنكار أن ثمة واقعاً جيوسياسياً جديداً، فرضته رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارتها تايوان أوائل الشهر الماضي، وما تلاه من رد صيني تجلى في مناورات عسكرية غير مسبوقة حول الجزيرة، تخللها أيضاً للمرة الأولى إطلاق بكين صواريخ بالستية فوق الجزيرة، بينما لا تزال حتى اللحظة عشرات المقاتلات والمسيّرات الصينية تعبر “خط الوسط” الفاصل بين الصين والجزيرة.

وكلام بايدن زاد من التوتر السائد في العلاقات الأميركية – الصينية، بينما الحشد العسكري الصيني وما يقابله من تعزيزات للبحرية الأميركية في المحيطين الهادئ والهندي، وتوالي زيارات أعضاء في الكونغرس الأميركي تباعاً إلى تايبه، تؤشر إلى أن تايوان صارت نقطة الارتكاز في العلاقات الصينية – الأميركية، بعدما كان التبادل التجاري وقضايا حقوق الإنسان، والموقف من روسيا والتنافس على الأسواق العالمية، هي المواضيع التي تتصدر أجندة أي حوار أميركي – صيني.

اليوم، اختلف الوضع بعدما باتت تايوان هي المعيار الذي تتشكل على أساسه العلاقات الأميركية – الصينية، سلباً أو إيجاباً.

ومثلما يستخدم المسؤولون الأميركيون ورقة تايوان للدفع بأجنداتهم المحلية عند الاستحقاقات الانتخابية، فإن الرئيس الصيني شي جينبيغ يعمل أيضاً على خلق الظروف التي لا تسمح لتايوان بإعلان الاستقلال. ويوظف ذلك في تعزيز فرصه للفوز بولاية رئاسية ثالثة في مؤتمر الحزب المقبل بعد أسابيع.

ويبقى سؤال كبير، سواء في واشنطن أم في بكين، حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الجانبان في المواجهة الدائرة حول تايوان. هل شي جيبينغ عازم فعلاً على غزو الجزيرة، وتجربة التعثر الروسي في أوكرانيا ماثلة أمامه؟ وفي المقابل، هل أميركا مستعدة لإرسال جنود إلى تايوان كي يموتوا دفاعاً عنها وليس الاكتفاء بإرسال أسلحة على الطريقة التي تتم في أوكرانيا؟

كثيرة هي هواجس القلق على الجانبين الأميركي والصيني. وربما كان طموح شي جيبينغ هو الحفاظ على الأمر الواقع، وعدم إرسال واشنطن إشارات لتايبه تشجعها على الإقدام على إعلان الاستقلال، كما حصل من خلال زيارة بيلوسي أو من خلال تشريع يعمل عليه الكونغرس بموافقة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري، يقضي بتسهيل إرسال المزيد من الأسلحة إلى تايوان.

وفي الجانب الأميركي، من المؤكد أن تجربة أوكرانيا شجعت بايدن على المضي خطوة أخرى في التهويل بالدفاع الأميركي المباشر عن تايوان، كي يؤسس لعامل ردع أمام بكين يحول دون قيام الصين بمغامرة الغزو، وفق محللين أميركيين حاولوا أن يسبروا غور ما كان يقصده بايدن من خلال تكراره مسألة تقديم التزام واضح وصريح ولا لبس فيه بالدفاع الأميركي عن تايوان.

وإلى أن تنجلي مقاصد بايدن وأن يفصح شي جينبيغ عن كل مكنوناته بالنسبة إلى ما رمى إليه، عندما حذر الرئيس الأميركي مباشرة عشية زيارة بيلوسي، من أن “الذي يلعب بالنار سيكتوي بها”، فإن تايوان هي المحدد الرئيسي لمستقبل العلاقات الأميركية – الصينية.

* سميح صعب: كاتب صحفي لبناني

المصدر: النهار – بيروت

موضوعات تهمك:

قواعد العلاقات الدولية ـ العقد الاجتماعي في المجتمع الدولي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة