تأثير رفع سعر الفائدة على ركود الاقتصادي العالمي؟

الساعة 2517 ديسمبر 2022آخر تحديث :
رفع سعر الفائدة

كانت بنوك مركزية عدة حول العالم، بخاصة في الدول التي تربط عملتها الوطنية بالدولار الأميركي بشكل كامل أو بشكل جزئي، اتخذت قرارات مماثلة برفع سعر الفائدة في اقتصاداتها بنصف نقطة مئوية.

معدل رفع الفائدة في آخر اجتماع للاحتياطي الفيدرالي، وبقية البنوك المركزية هذا العام جاء أقل من الزيادة الأخيرة في نسبة الفائدة التي كانت بمقدار ثلاثة أرباع النقطة المئوية (0.75 في المئة)، إلا أنها تشير بوضوح لاستمرار البنوك المركزية حول العالم في سياسة التشديد النقدي.

“لا يستطيع أحد توقع ما إذا كان الاقتصاد على وشك الركود أم لا”.

استمرار زيادة نسبة الفائدة أن كلفة الاقتراض في السوق ترتفع بشدة، ما يجعل الشركات تتردد في الاستثمار لتوسعة نشاطها لأن معظم رأس المال للاستثمار يتم اقتراضه من السوق.

* * *

أعلن البنك المركزي الأوروبي، الذي يضع السياسة النقدية لدول منطقة اليورو، رفع سعر الفائدة في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.5 في المئة لتصبح الفائدة على اليورو عند 2.5 في المئة. وقبل ذلك بساعات قليلة أعلن بنك إنجلترا “المركزي البريطاني” رفع سعر الفائدة في بريطانيا بمقدار مماثل لتصبح الفائدة على الاسترليني عند 3.5 في المئة.

وكانت بنوك مركزية عدة حول العالم، بخاصة في الدول التي تربط عملتها الوطنية بالدولار الأميركي بشكل كامل أو بشكل جزئي، اتخذت قرارات مماثلة برفع سعر الفائدة في اقتصاداتها بنصف نقطة مئوية. واقتفت البنوك المركزية خطى الاستمرار في تشديد السياسة النقدية التي بدت واضحة في قرار الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأميركي” برفع سعر الفائدة الأميركية بالقدر نفسه 0.5 في المئة لتصبح نسبة الفائدة على الدولار الأميركي في نطاق 4.15 في المئة و4.25 في المئة. ذلك لأنه لا يسمح للاحتياطي بإعلان رقم محدد لسعر الفائدة وإنما يعلن نطاقاً لسعر الفائدة ليتيح قدراً من الحرية للبنوك والمؤسسات المالية.

ومع أن معدل رفع الفائدة في آخر اجتماع للاحتياطي الفيدرالي، وبقية البنوك المركزية هذا العام جاء أقل من الزيادة الأخيرة في نسبة الفائدة التي كانت بمقدار ثلاثة أرباع النقطة المئوية (0.75 في المئة)، إلا أنها تشير بوضوح لاستمرار البنوك المركزية حول العالم في سياسة التشديد النقدي “رفع سعر الفائدة وسحب السيولة من السوق”.

مؤشرات الاقتصاد

وبدا ذلك واضحاً من تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول بأن البنك لم ينته بعد من رفع أسعار الفائدة، وقلل من تفاؤل الأسواق والمستثمرين بأن أرقام التضخم الأخيرة التي تشير إلى أن التضخم ربما وصل ذروته وأخذ في التراجع ستجعل البنك المركزي يخفف من سياسة التشديد النقدي. ولم يعط باول أي إشارة إلى أن البنك لن يرفع سعر الفائدة سوى مرتين فقط العام المقبل 2023، بل على العكس، أكد أن مؤشرات التضخم الأخيرة ليست كافية ليغير البنك المركزي سياسته. وقال باول “وجهة نظري، ووجهة نظر زملائي في لجنة السياسات النقدية في الاحتياطي الفيدرالي هي أن الأمر سيتطلب بعض الوقت. نعم، من الجيد أن نرى بعض التحسن، لكن دعونا نقرّ بأن الطريق ما زال طويلاً أمامنا قبل أن نصل إلى استقرار الأسعار”.

تفاؤل

أما مصدر تفاؤل الأسواق فهو أن أرقام التضخم في الولايات المتحدة لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي جاءت عند 7.1 في المئة، لتهبط من أعلى مستوى لها في 40 عاماً الذي وصلته في يونيو (حزيران) عند 9.1 في المئة. وبما أن هدف البنوك المركزية من رفع سعر الفائدة هو كبح جماح التضخم، فإن تحول منحنى الارتفاع في معدلات التضخم نحو الهبوط يعني أن يغير البنك سياسته المتشددة، بخاصة أن النمو الاقتصادي يتباطأ ومن شأن رفع سعر الفائدة أن يزيد من هذا التباطؤ إلى حدّ الركود. لكن جيروم باول أشار في مؤتمره الصحافي إلى أنه “لا يستطيع أحد توقع ما إذا كان الاقتصاد على وشك الركود أم لا”. وبدا واضحاً أن البنك المركزي ينتظر مؤشرات أخرى للاقتصاد الكلي تؤكد أن الطلب في الاقتصاد بدأ يفقد زخمه ويقترب من العرض، وتلك معادلة التضخم الرئيسة.

وتكرر موقف الاحتياطي الفيدرالي مع ما صدر عن البنوك المركزية الأخرى، مثل بنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي، ذلك على رغم أن الاقتصاد البريطاني مثلاً في حالة ركود بالفعل بعد انكماش الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين.

أما توقعات الاحتياطي الفيدرالي التي أعلنت أخيراً فهي نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بنسبة 0.5 في المئة هذا العام والعام المقبل. وعلى رغم أن نسبة النمو تلك هي على حافة الركود، إلا أن الاحتياطي يرى أن سوق العمل ما زالت في وضع ضاغط على رغم أن نسبة البطالة لم تنخفض كثيراً.

الفائدة والركود

الواضح إذاً أن الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية في الاقتصادات الرئيسة مستمرة في رفع أسعار الفائدة حتى وإن بمعدلات أقل خلال العام المقبل. وهذا ما يزيد من احتمالات الركود الاقتصادي العالمي الذي تتوقعه مؤسسات دولية وإدارات البحوث الاقتصادية في المؤسسات المالية الكبرى.

ويعني استمرار زيادة نسبة الفائدة أن كلفة الاقتراض في السوق ترتفع بشدة، ما يجعل الشركات تتردد في الاستثمار لتوسعة نشاطها لأن معظم رأس المال للاستثمار يتم اقتراضه من السوق. كذلك تزيد أعباء خدمة الدين على الشركات وعلى الحكومات التي اقترضت بكثافة في العامين الماضيين لتمويل برامج الدعم الاقتصادي وإنعاش القطاعات المتضررة من إغلاقات أزمة وباء كورونا.

انكماش الاستثمار

وهكذا، ينكمش الاستثمار العام من قبل الحكومات والاستثمار الخاص من قبل الشركات والأعمال، ما يزيد من محنة التباطؤ في النشاط الاقتصادي. لكن الأهم في الاقتصادات الرأسمالية التقليدية أن الإنفاق الاستهلاكي هو المكون الأكبر في نمو الناتج المحلي الإجمالي. ومع زيادة أسعار الفائدة يتردد المستهلكون في الإنفاق بخاصة في ظل معدلات التضخم العالية. مثال واضح على ذلك، أنه مع رفع البنك المركزي سعر الفائدة ترفع البنوك ومؤسسات الإقراض العقاري الفائدة على قروض الرهن العقاري، بالتالي ينخفض الطلب على الشراء وتهبط الأسعار وتصاب السوق العقارية كلها بركود.

ويتكرر هذا المثال في قطاعات أخرى تتحمل كلها الزيادة في كلفة الاقتراض نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة. ويشكل نشاط كل تلك القطاعات، إلى جانب الإنفاق الاستهلاكي، مجمل الناتج المحلي الإجمالي. لذا، كلما ارتفعت أسعار الفائدة زاد الانكماش في الاقتصاد والاتجاه نحو الركود.

المصدر: إندبندنت عربية

موضوعات تهمك:

مصر.. هل بقي لدى المواطنين طاقة لتحمل المزيد من الضرائب؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة