اوكرانيا بين “درس بوتين في التاريخ” و”عظة بايدن الكاثوليكية”؟

عريب رنتاوي2 مارس 2022آخر تحديث :
اوكرانيا
EDITORS NOTE: Graphic content / An Ukrainian military medic (C) approaches the bodies of Russian servicemen wearing a Ukranian service uniform lying beside and inside a vehicle after they from a raiding party were shot during a skirmish in the Ukrainian capital of Kyiv on February 25, 2022, according to Ukrainian service personnel at the scene. - Russian forces are approaching Kyiv from the north and northeast, Ukraine's army said, with rising fears the capital could fall on the second day of Moscow's offensive. (Photo by Sergei SUPINSKY / AFP)

لم تفعل روسيا في أوكرانيا شيئاً واحداً، لم يفعل الغرب والولايات المتحدة مثله أو حتى أضعافه في أماكن أخرى..

يتمحور الصراع حول النظام العالمي، جديد لا ينشأ وقديم لا يغادر، وأوكرانيا هي الخاصرة الرخوة التي سيولد منها هذا النظام.

أراد بوتين أن يظهر للأوكرانيين أنهم مدينون بوجودهم وكيانهم وهويتهم لستالين وأن البلدين تربطهما “وحدة مسار ومصير”.

ركّز بوتين على “الجيوستراتيجي” بصرف النظر عن صحة حججه وطروحاته ولم يتورط بنشر مزاعم وأكاذيب حول الحرية والديمقراطية.

خطاب بايدن مثقل بإيديولوجيا الحرب البادرة وصراع الخير والشر والحرية والاستبداد كأن هبّة الغرب مع أوكرانيا دوافعها توق فوّار لحريتها وديمقراطيتها.

“المتغطي بأمريكا عريان” بدلالة صيحة زيلنسكي: “يا وحدنا” بعد دفعه لتحدي بوتين وتركوه وحيداً وثمة حدود لقدرة دول صغيرة أو متوسطة على تحدي جار قوي تدخلي طامع.

* * *

قدّم الرئيس فلاديمير بوتين مرافعة مطوّلة في التاريخ، مهّد بها لقراره غزو أوكرانيا، وما هي إلا أيام قلائل، حتى ردّ عليه الرئيس جو بايدن، بمرافعة مماثلة، عبّد بها الطريق لاستعادة زمام المبادرة الأطلسية، وبرر من خلالها سياسة “أقصى العقوبات” التي تفرض تباعاً على بوتين والكرملين وروسيا، وبين المرافعتين، ضاعت أوكرانيا، وغرقت في مستنقع العدوان والخذلان.
درس بوتين في التاريخ، لم تطغ عليه الإيديولوجيا، بخلاف ما زعم خصومه الغربيون، أراد “القيصر” أن يظهر للأوكرانيين أنهم مدينون بوجودهم وكيانهم وهويتهم لستالين (كنت أظن خروتشوف)، وأن البلدين تربطهما “وحدة مسار ومصير” كما كان يُقال في وصف العلاقة بين سوريا ولبنان قبل العام 2005..
أما خطاب بايدن، فقد جاء أقرب للموعظة الكنسية، مثقلا بإيديولوجيا الحرب البادرة، والصراع بين الخير والشر، والحرية والاستبداد، لكأن هبّة الغرب مع أوكرانيا، إنما تحركها دوافع التوق الفوّار لحفظ حريتها وحقوق إنسانها وديمقراطيتها..
بهذا المعنى، كان بوتين أقرب للحقيقة في توصيف الحرب في أوكرانيا وعليها من بايدن، إذ ركّز بشكل خاص على “الجيوستراتيجي”، بصرف النظر عن صحة حججه وطروحاته أم عدمها، ولم يتورط في نشر المزاعم والأكاذيب حول الحرية والديمقراطية، كما لم يذرف دموع التماسيح على الكارثة الإنسانية التي حلت بالأوكرانيين، جراء الشهية المفتوحة لـ”الذئب” القابع في الكرملين.
هو صراع قلنا في وصفه الأسبوع الفائت، إنه يتمحور حول النظام العالمي، جديد لا ينشأ وقديم لا يغادر، ولقد قُدّر لأوكرانيا أن تكون الخاصرة الرخوة التي سيولد منها هذا النظام، وفي ضوء نتائج الحرب فيها وعليها، ستتقرر هوية أطرافه وأوزانهم والقواعد الناظمة للعلائق الشائكة بينها.
لم تفعل روسيا في أوكرانيا شيئاً واحداً، لم يفعل الغرب والولايات المتحدة مثله أو حتى أضعافه في أماكن أخرى..
هل نُذكّر بحروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وما خلفته من ويلات وخرائب، أم نسترجع تجربتها في أمريكا اللاتينية وبنما، أم نستحضر تجاربها في جنوب شرق آسيا..
لا مطرح لكل الادعاءات الزائفة، حول احترام الغرب لسيادة الدول وحسن الجوار ورفضها لاحتلال أراضي الغير بالقوة (تكفي الإشارة لآخر احتلال على وجه البسيطة في فلسطين)..
لا ثقة بمزاعم احترام حقوق الانسان والحرية والديمقراطية، وإلا كيف نفسر صداقة واشنطن مع أعتى الديكتاتوريات والمستبدين في منطقتنا والعالم.
بين درس في التاريخ، أجاز به صاحبه لنفسه، الحق في اقتحام أوكرانيا والمطالبة بتجريدها من السلاح والقرار والسيادة من جهة، وموعظة قس كاثوليكي، تغطي على أفدح نوايا التفوق والغطرسة والرغبة الجامحة في السيادة على العالم والتربع على قمة عرشه من جهة ثانية، راحت أوكرانيا “فرق عملة” في صراع الجبابرة والقوى الكبرى.
لسنا في العالم العربي طرفاً في هذا الصراع، والحرب على جبهات أوكرانيا ليست حربنا، بيد أننا متأثرون بمجرياته، شئنا أم أبينا… دولنا النفطية ستزداد ثراءً، وهذا من باب تحصيل الحاصل، وسيكون متاحاً لها تغطية عجوزات متراكمة من سنوات الركود العجاف. دولنا المستهلكة للنفط والغاز والقمح، ستتضرر بموجة بدأت من ارتفاع الأسعار، وهذا أمر لا يصعب التنبؤ به على أية حال.
لكن، ثمة دروس تتعين قراءتها بدقة، منها: أن “المتغطي بأمريكا عريان” بدلالة الصيحة التي ما انفك يطلقها فولوديمير زيلنسكي: “يا وحدنا”، بعد أن دفعوه لتحدي الدب الروسي وتركوه وحيداً، ومنها أن ثمة حدوداً لما يمكن لدول صغيرة أو حتى متوسطة الحجم، كأوكرانيا، أن تصل إليها في تحديها لجوار قوي وتدخلي وطامع. وخريطة أزماتنا في العالم العربي، تُعظّم الحاجة لاستلهام هذين الدرسين وغيرهما.

* عريب الرنتاوي كاتب صحفي أردني/فلسطيني

موضوعات تهمك:

تغيرات جيوسياسية عالمية ستحدث إذا انتصر بوتين بأوكرانيا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة