الولايات المتحدة والصين: بوصلة إدارة بايدن المشوشة

محمود زين الدين1 أغسطس 2022آخر تحديث :
الولايات المتحدة

صارت بكين بالنسبة إلى أميركا “شرا” لا بد منه؛ منافس “خطير”، لكن لا بد من مداراته، خاصة في زمن احتدام الصراع الأميركي مع روسيا.
الصين من جهتها، تحبذ كبح النزاع مع واشنطن حاليا، بعدما “فشلت مراهنتها على تفجر الخلافات بين ضفتي الأطلسي” بسبب حرب أوكرانيا.
توافق الرئيسان الأميركي والصيني على عقد قمة حضورية وهي خطوة كانت متوقعة تركت ارتياحا لأنها تعكس الإقرار بخطورة تردي العلاقات.
ثمة رغبة متبادلة في العثور على صيغة “تنظم الخلافات” وتوافر صمامات أمان تمنع “الاحتكاك” الذي تتزايد التحذيرات في واشنطن من احتمالاته أو من “حتميته”.
تمسك بكين بالمبادرة لأن أميركا راهنا تحتاج الصين في أكثر من ملف؛ من حرب أوكرانيا إلى قضايا المناخ والطاقة، وتجنب فتح جبهة أخرى جنوب وشرق آسيا.
* * *
تحدث الرئيسان، الأميركي جو بايدن، والصيني شي جينبينغ، في مكالمة هاتفية الخميس، لأكثر من ساعتين في القضايا الخلافية.
إضاءات البيت الأبيض ووزارة الخارجية على حصيلة المكالمة، جاءت فضفاضة وشحيحة بكل حال، إذ اكتُفي بالقول إنها كانت “صريحة وبنّاءة وجوهرية”، وكأن اللقاء بين الرئيسين لم يعد كافياً للدخول في عمق الأزمة متعددة الجوانب بين واشنطن وبكين، فضلاً عن معالجاتها.
وتمّ الاتفاق المبدئي على ترتيب قمة حضورية بين الرئيسين قبل نهاية العام، وهي خطوة كانت متوقعة وتركت بعض الارتياح من ناحية أنها تعكس الإقرار بخطورة التردي في العلاقات والرغبة المتبادلة في العثور على صيغة “تنظم الخلافات” وتتوافر فيها صمامات أمان تمنع “الاحتكاك” الذي تتزايد التحذيرات في واشنطن من احتمالاته، والبعض يقول من “حتميته”.
يستبعد أن يؤدي مثل هذا اللقاء المباشر، في تقديرات الضالعين في الشؤون الصينية، إلى انفراج أو إلى “ضبط تفاقم” الأزمة، طالما بقيت إدارة بايدن تتعامل مع الصين بـ”المفرّق”. في الواقع، ورثت إدارة بايدن هذا النهج الذي اعتمدته الإدارات السابقة كافة، لا إدارة بايدن وحدها، والذي لا يستند إلى سياسة “مستدامة” تعتمد على أهداف أساسية توجّه التعاطي مع بكين.
وفي زمن الحرب الباردة، استرشدت واشنطن في زمن سائر الإدارات، بسياسة “الاحتواء” التي صاغها الدبلوماسي الشهير جورج كانين منذ 1947 وبقيت بمثابة البوصلة للسياسة الأميركية تجاه الاتحاد السوفييتي ولغاية سقوط جدار برلين. أهميتها في نظر المؤرخين، أنها ضمنت تحاشي الصدام مع الدولة العظمى الثانية آنذاك، وفي الوقت ذاته “أدت إلى أو ساهمت في انهيارها”.
وبالنسبة إلى الصين، لم تستقر واشنطن على توجه؛ فصياغة إطار لمثل هذه المهمة طالما كان “التحدي الأكبر” لها منذ ما بعد إقدام الرئيس ريتشارد نيكسون ومهندس سياساته الخارجية هنري كيسنجر على تغيير قواعد اللعبة بزيارتهما بكين عام 1972 والتمهيد لإقامة علاقات معها، التي تمت في أواخر عهد كارتر عام 1979.
العلاقة مع الصين كانت دوماً ملتبسة؛ نيكسون أرادها ورقة لعزل موسكو وتوسيع شقة الخلاف يومذاك مع بكين، وبعد الاعتراف الدبلوماسي الأميركي ببكين، وتحديداً منذ بداية الثمانينيات، بدأ يغلب الطابع الاقتصادي على العلاقات مع الصين.
وبدأت المصانع الأميركية حينها بنقل أعمالها إلى الصين لرخص اليد العاملة، وهي نقلة يتحسر عليها فريق المحافظين القدامى مثل السياسي والكاتب المخضرم باتريك بيوكانن، بعدما أدّى تصدير منتجات هذه المصانع إلى السوق الأميركية إلى فائض تجاري هائل راوح بين 300 إلى 500 مليار دولار سنوياً.
وقد ساهم هذا، إلى حد بعيد، في فورة التفوق الصيني السريع الذي أضحى المزاحم الأول للولايات المتحدة على المرتبة الاقتصادية الأولى في العالم.
الرئيس بايدن مع غيره من الدوائر الأميركية، لم يتحمل المنافسة مع الصين، إذ أعرب صراحة عن نيته “بعدم السماح” بوصول بكين إلى هذه المرتبة، ولو أن ذلك جرى من ضمن لعبة السوق التي تؤمن بها الولايات المتحدة.
ثم أتبع ذلك بتصريحات مضادة لبكين من باب أن العلاقات التجارية معها “لم تكن منصفة”، فيما تعاملت بكين مع الجانب الأميركي بتحيز فاقع لمصلحتها و”سرقت” الكثير من ملكيات الاختراع الأميركية واستخدمتها في صناعاتها، بما عزز الترويج لمنتجاتها. وثمة ما يبرر هذه المزاعم، وفق العديد من المرجعيات الاقتصادية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ اندفع الرئيس بايدن أخيراً إلى التلويح باستخدام القوة ضد أي محاولة صينية لضم تايوان إلى “الأرض الصينية الأم”، وكانت بكين قد قامت أخيراً بخطوات توحي بوجود نيات لديها من هذا النوع، مثل القيام بطلعات لطائراتها الحربية في المجال الجوي لتايوان.
وفي رده على سؤال في هذا الخصوص، أكد بايدن عدم تردده في مواجهة الصين بالقوة العسكرية لو اجتاحت الجزيرة. وعلى الفور، سارع البيت الأبيض إلى التصحيح بأن الرئيس قصد تأكيد التزام واشنطن اتفاقية الدعم لتايوان، التي تنص على تعهد واشنطن “بتسليح تايوان للدفاع عن نفسها”، وليس بالدفاع المباشر عنها.
المعلوم أن اتفاقية شنغهاي التي أعقبت زيارة نيكسون تنص، وإن بصورة مواربة، على تسليم أميركا “بصين واحدة”، ولو بنظامين، ولذلك أضاف كلامه عن استخدام القوة الأميركية شحنة جديدة من التوتر في العلاقات ومن توسيع شقة الخلاف وتآكل الثقة بين المتنافسين حول الهيمنة على المحيط الهندي الصيني الباسفسكي.
وزاد الطين بلة، تلويح رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي القيام بزيارة “استفزازية” لا سابق لها سوى مرة واحدة في أواخر التسعينيات عندما قام رئيس مجلس النواب الجمهوري آنذاك نيوت غينغريتش بزيارة للجزيرة أثارت ضجة، لكن ليس بحجم الضجة التي أثارتها بيلوسي والتي كشفت عن خلاف علني بينها وبين البيت الأبيض حول الموضوع.
وحتى الآن، لم تحسم رئيسة المجلس الزيارة التي لاقت الاعتراض الواسع في واشنطن، وبالذات من جانب البيت الأبيض. كل ذلك يعكس مدى الارتباك حتى في واشنطن عموماً وفي صفوف حزب الرئيس بخاصة، حول السياسة المطلوبة تجاه الصين التي تبدو واضحة أكثر من واشنطن في خياراتها وحتى في تحدياتها على نقيض إدارة بايدن التي تبدو بوصلتها الصينية مشوشة في أحسن أحوالها.
التعامل مع الصين معضلة في واشنطن، إذ صارت بكين بالنسبة إلى أميركا مثل “الشر” الذي لا بد منه؛ منافس “خطير”، لكن لا بد من مداراته، وخاصة في زمن احتدام الصراع الأميركي مع روسيا.
والصين، من جهتها، تبدو محبذة لكبح النزاع مع واشنطن في الوقت الحاضر، بعدما “فشلت مراهنتها على تفجر الخلافات بين ضفتي الأطلسي” بسبب حرب أوكرانيا، حسب بعض التحليلات.
ومن هنا، توافق الرئيسان بايدن ونظيره الصيني على عقد قمة حضورية بينهما في المستقبل القريب، ويرى مراقبون أن المبادرة تمسك بها بكين، لأن واشنطن في اللحظة الراهنة تحتاج إلى الصين في أكثر من ملف؛ من حرب أوكرانيا إلى قضايا المناخ والطاقة، إضافة إلى تجنب فتح جبهة أخرى الآن في جنوب آسيا.

المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

في زيارة بايدن للمنطقة.. ابحث عن الصين!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة