المنحنى السوقي في الدراسات المستقبلية

محمود زين الدين14 سبتمبر 2021آخر تحديث :
المنحنى السوقي

لا بد من مراعاة العلاقة بين المنظومة المعرفية والبيئة المعرفية وبين الابتكار.

التفرد التكنولوجي القائم على أساس أن التطور التقني سيصل مرحلة عدم القدرة على “ضبط ايقاعه” وهنا يبدأ التحول الاكبر في التاريخ البشري.

الآن يجري البحث في تزويد “الروبوت” بعقل ومشاعر! فهل سيصبح جزءا من النسيج الاجتماعي لاحقا ونبدأ البحث في حقوق الانسان الآلي؟

يستدعي استخدام المنحنيات السوقية فهم معادلة انتشار التطور ثم قياس معدل التسارع بكل قطاع من قطاعات الحياة ثم تحديد افق التطور التقني.

يمر الابتكار بمرحلة ظهور ثم إثبات علمي لصحته وقابليته للتحول للإنتاج ثم الإنتاج ثم الانتشار ثم ظهور منتج جديد منافس ومدة سيطرته على السوق.

التطور التكنولوجي وتسارع إيقاعه وانعكاسه على بنى سياسية واجتماعية واقتصادية لبناء سيناريوهات المستقبل على ذلك يمثل منهجية توظيف المنحنى السوقي في الدراسات المستقبلية.

المتغير الأكثر فاعلية في تحديد المسار البشري هو التطور المعرفي وأي دراسة مستقبلية تكون اقرب للدقة بقدر معرفتها بالقوانين الرياضية والمنحنى السوقي وتفاعله المتبادل مع متغيرات تقليدية أخرى وعدم الخلط بين المعلومات والمعرفة.

* * *

بقلم: وليد عبدالحي

إذا اعتبرنا ان التطور التكنولوجي من ناحية وتسارع ايقاعه من ناحية ثانية ثم انعكاسه على البنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لبناء سيناريوهات المستقبل على اساس هذه الابعاد، نكون أمام منهجية توظيف المنحنى السوقي (Logistic Curve) في الدراسات المستقبلية.

ويستدعي استخدام المنحنيات السوقية فهم معادلة انتشار التطور(Spill over) ثم قياس معدل التسارع في كل قطاع من قطاعات الحياة، ثم تحديد افق التطور التقني.

وهنا نجد سلسلة محاولات وضع قوانين لهذه المسالة بدءا من (Daniel Burnham) ثم قوانين (Moore) وصولا لقوانين (Kurzweil) بجانب جهود فكرية أخرى وصولا الى مخاطر ما سمي التفرد التكنولوجي (technological singularity) القائم على اساس ان التطور التقني سيصل مرحلة عدم القدرة على “ضبط ايقاعه” وهنا يبدأ التحول الاكبر في التاريخ البشري.

ويميز باحثو الدراسات المستقبلية بين مراحل ثلاث للقياس وهي الابتكار (Invention) ثم تحويل الابتكار الى سلعة او منتج (Innovation) ثم تطوير المنتج وتحسينه (Evolution) (أو القدرة على الربط بين عدد من الابتكارات في ميادين مختلفة للوصول لانتاج جديد، وهنا تبدأ الخلافات بين نماذج القياس.

فهل نبدا من المرحلة الاولى ام الثانية أو الثالثة وهي المراحل التي تتبدى في المنحنى السوقي الذي يأخذ شكل حرف (S)، حيث يمثل المقطع الاعلى من الحرف S نقطة الابتكار ثم نقطة التحويل والانتشار ثم بداية ظهور ابتكارات جديدة تصل بهذا المنحنى لمرحلة التراجع (مثل ابتكار جهاز الموريس ثم التليفون بكابل يحمل مكالمة واحدة ثم كابل يحمل ملايين المكالمات ثم الوصول للخلوي او الموبايل).

هنا لا بد من الاخذ في الاعتبار ان الابتكار يمر بمرحلة ظهور، ثم إثبات علمي لصحته وقابليته للتحول للإنتاج ثم الإنتاج ثم الانتشار ثم ظهور المنتج الجديد المنافس ومدة سيطرته على السوق (مثل الموبايل والتلفون الارضي،او التلفزيون الابيض والاسود ثم الملون ثم ظهور الأطباق المنفردة لمساحة صغيرة ثم الاطباق المرتبطة بالأقمار المتعددة ثم المرتبطة بالانترنت…الخ).

وهنا لا بد من مراعاة العلاقة بين المنظومة المعرفية والبيئة المعرفية وبين الابتكار، وسأعطي مثالين للتوضيح:

1. عندما طرح العلماء من أمريكيين وسوفييت في الثمانينات من القرن الماضي فكرة الغاء الليل والنهار والتحكم بهما، كانت نتيجة النقاش اجماع العلماء من الدولتين على الصحة العلمية للفكرة، لكن التكلفة المالية الهائلة لتعليق المرايا في الفضاء تبين انها عالية بشكل غير محتمل، وهنا توقفوا عن الإنجاز على امل العثور على بديل..

ذلك يعني ان البيئة العامة (القدرة الاقتصادية) حالت دون الانتقال من الابتكار الى التطبيق(بالمعنى الذي اشرنا له).

2. عند طرح فكرة وقف الموت من أحد العلماء برزت المنظومات المعرفية المستندة للميتافيزيقيات المختلفة تساندها المنظومة المعرفية القائمة حاليا لدى نسبة غير قليلة من المجمع العلمي العالمي “للسخرية” من الموضوع!

وهنا اصبحت المصادرة على المطلوب طاغية، مع أن العلم لم يثبت ان الفكرة غير ممكنة نهائيا في المستقبل، مثل استهجان فكرة “الروبوت” او الانسان الآلي، الآن يجري البحث في تزويده بعقل ومشاعر، فهل سيصبح جزءا من النسيج الاجتماعي لاحقا ونبدأ البحث في حقوق الانسان الآلي؟

ما يجب التنبه له أن الدراسات المستقبلية تحاول (ونجحت في جوانب عديدة) وضع معادلات رياضية لقياس وتحديد نوعية وموعد وقوع التطور التقني القادم وتحديد آثاره، وساعطي مثلا للتوضيح لكنه مثال مبني على محاولات تجري في المختبرات فعلا، فالعلماء يبحثون حاليا امكانية تصنيع عقار يتناوله الفرد (ذكرا أو أنثى) فيشعر بالمتعة الجنسية التي يشعرها اثناء ممارسة الجنس المعروف..

هنا يقفز السؤال ماذا لو تحقق ذلك ؟ ما تاثيره على كل العلاقات الاجتماعية والادب والرومانسية وكل ما ورثناه؟ لنتخيل فقط..شريطة ان لا نصادر على المطلوب مسبقا…لان عددا من العلماء يقرون ان ذلك ممكنا.
أعتقد أن المتغير الأكثر فاعلية في تحديد المسار البشري هو التطور المعرفي (بمعناه الواسع الذي طرحه توفلر لا بالمعنى الضيق المتداول)، وان أي دراسة مستقبلية (لا الخواطر والحدس المستقبلي بمدلوله السيكولوجي التقليدي) تكون اقرب للدقة بمقدار معرفتها بالقوانين الرياضية وتحديدا للمنحنى السوقي وتفاعله المتبادل مع المتغيرات التقليدية الاخرى، وعدم الخلط بين المعلومات (Information) وبين المعرفة (Knowledge)، ويتم ذلك بقياس الثانية من خلال:

1. حجم الادبيات المتعلقة بالموضوع

2. تحليل اتجاهات براءات الاختراع

3. قياس التأثير التكنولوجي عبر مراحله الثلاثة (التي اشرنا لها في المنحنى السوقي طبقا للمعادلة المعروفة للباحثين في هذا المجال).

4. قياس درجة تاثير المعرفة في التعليم (مثلا المنظومات التربوية التي تطرح موضوع التغير اكثر سرعة في انجاز المعرفة من المجتمعات التي تقع في مرتبة اقل في تناول التغير، وهناك علاقة ارتباط واضحة حسب عدد من الدراسات المتخصصة بين البعدين).

5. التنقيب المعلوماتي (Data Mining)

وفي كل من هذه الجوانب قواعد واصول للقياس وبناء النماذج التحليلية لدمجها في الدراسة المستقبلية.

* د. وليد عبد الحي أستاذ علوم سياسية وباحث في الدراسات المستقبلية والاستشراف

المصدر| وليد عبدالحي

موضوعات تهمك:

العملات المشفرة .. نظام نقدي عالمي جديد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة