المغرب و الجزائر صراع “الزعامة” على الرمال

شروق عز الدين19 ديسمبر 2018آخر تحديث :
المغرب و الجزائر صراع “الزعامة” على الرمال

صراع الأشقاء يفتح بوابة “التطرف والإرهاب

توترات وصراعات تحيط بالعلاقات الجزائرية المغربية منذ أن استطاعت كل منهم تحقيق الاستقلال، ومرت الصراعات بعدة مراحل بداية من “حرب الرمال” في 1963، مرورًا بحرب الصحراء المغربية ما بين 1975 و1991، حتى إغلاق حدودهما عام 1994، وقضية الصحراء التي لا زالت ترفع راية الصراعات والنزاعات بينهم، ورغم توغل الإرهاب، وزيادة عدد المتطرفين لم يكن هذا دافعًا لإنهاء الصراع بينهم والوصول إلى حل يجعلهم ينظرون إلى التشارك وتطوير العلاقات السياسية والاقتصادية.

“الزعامة” سر النزاع بين الشقيقتين

السبب الرئيسي وراء هذه النزاعات والتوترات الجزائرية-المغربية يكمن في عدم الثقة بين الدولتين نظرا لاستراتيجية كل منهما والتي تخططمن أجل الزعامة الإقليمية، ونجد ذلك واضحًا في الصراع الحالي حول الصحراء، حيث أنه منذ سبعينات القرن الماضي، كانت مواقف المغرب والجزائر متباينة في النزاع بينهم حتى يتم تحقيق التوازن بين طموح كل منهما في التأثير الإقليمي، حيث أن الجزائر تتنافس مع المغرب على النفوذ في المنطقة.

وكانت المسيرة الخضراء-التي نظمتها الحكومة المغربية في نوفمبر 1975-تظاهرة جماهيرية تكتيكية، هدفها إجبار إسبانيا على تسليم الصحراء الإسبانية المتنازع عليها إلى المغرب.

في البداية، اعترفت الجزائر بالسيادة التاريخية للمغرب على صحرائه، ولكن في وقت لاحق، ظهرت جبهة “البوليساريو” ، وهي حركة محلية تسعى إلى الاستقلال، ويهدف دعم الجزائر لجبهة البوليساريو إلى عرقلة مساعي المغرب لتحقيق الريادة الإقليمية من خلال استعادة صحرائه، ولكن النزاع حول هذه المنطقة ليس سببا كافيا لإغلاق الحدود المغربية الجزائرية منذ عام 1994.

حيث أنه في أواخر الثمانينات، كانت العلاقات المغربية الجزائرية تتجه أكثر نحو التعاون لإنهاء النزاع وإطلاق مشاريع التكامل الاقتصادي حيث يزخر المغرب بفلاحة متطورة ويتميز بالصيد البحري، أما الجزائر فلديه النفط والغاز الطبيعي.

الهجوم الإرهابي على فندق “أطلس أسني” يشعل الأزمة مجددًا

ووسط محاولات جرت لتعزيز التعاون ونزع فتيل الأزمة، تعكرت العلاقات مجددًا بسبب الهجوم الإرهابي على فندق “أطلس أسني” بمدينة مراكش عام 1994، وجه المغرب أصابع الاتهام نحو المخابرات الجزائرية، وقرر الملك الحسن الثاني آنذاك فرض التأشيرة على المواطنين الجزائريين الراغبين في الدخول إلى المغرب.

وردت الحكومة الجزائرية بإجراءات أكثر تطرفا حيث أعلنت إغلاق الحدود البرية بين البلدين، وهو الإغلاق الذي ما زال مستمرا إلى اليوم.

وأعلن الملك محمد السادس يوم 30 يوليوز 2004 إلغاء التأشيرة على الجزائريين الراغبين في المجيء إلى المغرب، مشددا على رغبة المغرب الصادقة في بناء علاقات طيبة مع الجزائر “تخدم التقارب بين الشعبين الشقيقين”، وبعد ثمانية أشهر على هذا القرار، رفع رئيس الجمهورية تأشيرة الدخول إلى الجزائر التي كانت سارية في السابق على المواطنين المغاربة.

وكان في عام 1989، أنشأ المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا اتحاد المغرب العربي لتحقيق الاندماج السياسي والاقتصادي في المنطقة، لكن بسبب الخلاف السياسي بين المغرب والجزائر لم يتم إحراز أي تقدم.

سوء العلاقات وقف أمام الأهداف الاقتصادية

أدت سوء العلاقات بين المغرب والجزائر، إلى إبعاد المنطقة عن تحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية، وفي عام 2007، اقترح المغرب فكرة الحكم الذاتي لسكان الصحراء في إطار السيادة المغربية كحل دبلوماسي للقضية، لكن الجزائر لم توافق على هذا الحل، وذلك لسعيها وراء الوصول إلى المحيط الأطلسي، على الرغم من أن اقتراح المغرب يحظى بدعم الدول العربية والغربية والدول الأفريقية.

كما أعلنت المغرب استعدادها للحوار المباشر مع الجزائر، مشيرة أن المغرب مستعد لإنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار لحل الخلافات بين البلدين، حيث أن البلدان تواجهان نفس التحديات، مثل مكافحة الفقر والجهل ومحاربة التطرف العنيف والهجرة السرية، لذا يتعين على المسؤولين في البلدين مضاعفة الجهود من أجل تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة.

وكما أكد ماغنوس نوريل، الباحث في معهد واشنطن،أن هناك حاجة ماسة إلى دور المغرب في أمن أوروبا وشمال أفريقيا، وهو على أهبة الاستعداد لمواجهة التحدي الذي يواجهه كرائد التوجه التقدمي في البلدان الإسلامية المعتدلة وفي مكافحة التطرف العنيف والإرهاب.

رغم ضربات الإرهاب الموجعة للشقيقتين لم يتوحد الشمل

و تعرض المغرب والجزائر إلى هجمات إرهابية متعددة في السنوات الأخيرة في عام 2013، حيث شن إرهابيون تابعون لتنظيم القاعدة هجوما على منشأة نفطية بمدينة تيكنتورين بالقرب من أمناس، مما تسبب في مقتل 11 جزائريا و39 أجنبيا.

وفي المغرب، قُتل 45 شخصًا اٍثر الهجوم الإرهابي الذي وقع في الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وتعرضت مراكش-وهي وجهة سياحية شهيرة-للهجوم مرة أخرى في عام 2011، مما أسفر عن مقتل 17 شخصًا وإصابة 100 شخص آخرين.

وانضم حوالي 500 مغربي و200 جزائري إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقد أعرب المسؤولون في البلدين عن قلقهم إزاء عودة المقاتلين بعد سقوط التنظيم في سوريا، مما قد يزيد من خطر الإرهاب.

واتخذت الجزائر والمغرب إجراءات صارمة لمكافحة الإرهاب تعتمد بالأساس على الآليات العسكرية، بالإضافة إلى ذلك، يُشرف كلا البلدين بقوة على مساجدهما ويحرصان على تدريب الأئمة.


تناغم السياسات حول الهجرة تمنع التطرف

يضمن تناغم سياسات المغرب والجزائر حول قضايا الهجرة أن يقوم بيمنع التطرف العنيف، على مدى العقد الماضي، حيث كان المغرب والجزائر من بين أهم بلدان العبور للكثير من المهاجرين الوافدين من إفريقيا جنوب الصحراء في طريقهم إلى أوروبا.

إن عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الجزائر والمغرب غير معروف بالضبط ولكن بحسب التقديرات، يُوجد حوالي 100.000 مهاجر إفريقي في الجزائر معظمهم من مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتم تسجيل أكثر من 50 ألف مهاجر أفريقي من جنوبي الصحراء في المغرب عام 2017، ويعيش العديد من هؤلاء المهاجرين في ظروف صعبة اقتصاديًا واجتماعيًا، الشيء الذي يمكن أن يدفعهم إلى التطرف.

محاولت لإضفاء الطابع الشرعي على المهاجرين

وأعلن البَلدان مؤخرا عن خطط لإضفاء الطابع الشرعي على المهاجرين في يوليو 2017، وعدت الجزائر بمنح حقوق الإقامة وتصاريح العمل للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء، بهدف معالجة نقص في القوى العاملة في قطاعي الزراعة والبناء، ويأتي هذا بعد قرار المغرب عام 2013 منح 50 ألف مهاجر تصريح إقامة لمد ة سنة قابلة للتجديد.

حيث أن منح حقوق الإقامة للمهاجرين الأفارقة أمر جدير بالثناء، خاصة في وقت ترفض فيه البلدان الغنية في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا استضافتهم، كما أن قبول المهاجرين خطوة مفيدة سياسيا واقتصاديا للبلدين، مما سيعزز تفاوض الجزائر والمغرب مع الاتحاد الأوروبي ويطور العلاقات مع دول إفريقيا جنوب الصحراء.


تعزيز التعاون مع دول الجوار

وفي الوقت الراهن يتعين على البلدين تحسين التعاون الثنائي لإنجاح تطبيق سياستتهما التنموية وقوانينهما الخاصة وتبادل الخبرات من أجل الاستقرار الإقليمي وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي.

كما يجب عليهما تعزيز التعاون مع الدول المجاورة-لاسيما مالي وتشاد والنيجر والسنغال وموريتانيا-وكذلك البلدان الأصلية الأخرى للمهاجرين، والهدف تعزيز الهجرة القانونية وأمن الحدود.

التدخل الخارجي يضمن استمرار الأزمة

ونظراً لأزمة العلاقات الجزائرية المغربية والنزاع حول الصحراء، فإن أي تدخل أجنبي غير نزيه من شأنه أن يضمن استمرار المشكلة، بل ويزيد من تعقيدها ويزعزع استقرار المنطقة بأكملها، ولكن خطاب الملك محمد السادس في خطابه الأخير بعث الأمل، حيث أشار أنه يجب على المرء أن ينظر بتفاؤل إلى آفاق التكامل الاقتصادي بين البلدين وإلى تحقيق الوحدة المغاربية المنشودة، وبينما يرفض الجيل الجديد من الجزائريين والمغاربة القواعد السياسية القديمة.

الجزائر تراهن على نقل وجهة نظر “البوليسارو ” للأمم المتحدة

وتراهن الجزائر على نقل وجهة نظر البوليساريو إلى الأمم المتحدة، في ظل رفض المؤسسة الدولية الاعتراف بالتنظيم الانفصالي؛ وهو ما يؤكد، حسب العديد من المتتبعين، أنها تسخِّر كل عتادها الدبلوماسي والاقتصادي لخدمة الصراع القائم، وإخراج البوليساريو من أزمة “الاعتراف” الذي أصبح يستأثر به منتخبو الأقاليم الجنوبية في كل المؤسسات الأجنبية.

وفي هذا الصدد أوضح نوفل بوعمري، الخبير المتخصص في قضية الصحراء، أن “المغرب أصبح له حضور أكثر قوة وحيوية على مستوى الحفاظ على المصالح المغربية والدفاع عنها، وأصبح شريكا للمنتظم الدولي في عمليات حفظ السلم والأمن والهجرة، وكذلك في ملف الصحراء الذي اقترب موعد مناقشته في مجلس الأمن، حيث سيقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره في 28 شتنبر المقبل للمجلس الذي ستترأسه الولايات المتحدة الأمريكية”.

وأضاف بوعمري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “من المنتظر أن يكون موضوع القرار المقبل بعد مناقشته هو مستقبل المينورسو وولايتها، وهو ما يفسر التحركات المكثفة للخارجية المغربية واللقاءات التي نظمها وزير الخارجية المغربي مع مختلف الفاعلين الكبار لتوضيح وجهة النظر المغربية”.

وأردف المتخصص بأن “الأمر الثاني الملاحظ في اللقاء يتعلق بالتحرك الذي تقوم به الخارجية الجزائرية، إذ حاولت من خلال لقاءاتها التي عقدتها، سواء مع كولر أو غوتيريس، الضغط عليهما للتأثير في صياغة ومضمون تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وهذا ما يؤكد وجهة النظر المغربية التي تعتبر أن الجزائر هي الطرف الرئيسي في النزاع وليست الجبهة”.

وأكمل المتحدث: “هذه التحركات في هذا التوقيت بالضبط وبالأجندة التي وضعها مساهل، والمتمحورة كلها حول موضوع الصحراء، تؤكد أن الجزائر طرف أصيل في ملف النزاع المفتعل حول الصحراء، وألا حل إلا بانخراطها فيه، وتُبين صواب الملاحظات التي سبق أن قدمها المغرب حول ضرورة تواجدها في أي عملية سياسية مستقبلية، خاصة على مستوى المفاوضات”.

الرأي المغربي

في الوقت الذي أكد فيه مغاربة أن تصريحات المبعوث الأممي لمنطقة الصحراء الغربية، خلال جلسة مجلس الأمن، وإشادته بالتطور الذي شهدته الأقاليم الجنوبية، يصب في مصلحة المغرب، ويتفق مع رؤيتها في ضلوع الجزائر كمؤيد وداعم لمطالب جبهة البوليساريو، في الانفصال بمنطقة الصحراء عن الأراضي المغربية، فقد أكد خبراء جزائريون على أن الجزائر تصنف النزاع على منطقة الصحراء، ضمن قضايا تصفية الاستعمار، مؤكدين أنها ليست طرف في النزاع.


الرأي الجزائري

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الشلف الجزائرية، فارس لونيس، إن المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في الصحراء الغربية، هورست كوهلر، تحدث عن ضرورة إشراك الجزائر في المفاوضات بين طرفي النزاع الصحراوي، بعد أن قام بجولته الاقليمية للمنطقة، التي اتضحت له من خلالها الرؤية تجاه النزاع، موضحا لـ”سبوتنيك” أن حديث كوهلر يؤكد على سلمية دور الطرف الجزائري، عكس ما يروج له البعض، كما إنها لا تخرج عن مبدأ حسن الجوار ورفض النزاعات.

وعلى الجانب الآخر، كشف أستاذ العلوم السياسية في جامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف الجزائرية، عربي بومدين، أن الجزائر ترحب بأي مبادرة يكون مصدرها الأمم المتحدة، مضيفا لـ”سبوتنيك” أن الجزائر تصنف قضية الصحراء المتنازع عليها بين المغرب والبوليساريو، ضمن قضايا تصفية الاستعمار، وعلى الأمم المتحدة تحمل كامل مسؤولياتها في تسوية النزاع باعتبار قضية الصحراء قضية تصفية استعمار، بل أخر قضايا تصفية الاستعمار في أفريقيا.
وأشار إلى أن موقف الجزائر ينطلق من اعتبارات موقعها الجغرافي، وارتباطاتها التاريخية في إقليم المغرب العربي، غير أن سياستها الخارجية تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما ينطبق على التعامل مع ملف الصحراء الغربية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة