تداخل المصادر الصهيونية الكاذبة لامتلاك أرض فلسطين

أحمد عزت سليم23 مارس 2020آخر تحديث :
المصادر الصهيونية

تداخل المصادر الصهيونية الكاذبة لامتلاك أرض فلسطين.. تداخل المصادر خصيصة تهدف إلى التحايل من أجل إثبات ” سلطان الإله ” واختياره لشعبه ،  قِدم وقدسية التعاليم المعطاة إليهم،  وضرورة طاعته ،  فمنذ الفصل الأول من سفر التكوين ، يظهر بين السطور مثل هذا الاهتمام التبريرى : عمل الخالق يتم على ثمانى دفعات ولكنه يصار إلى ضغطه ليصبح ستة فقط وذلك ليكون اليوم السابع يوم راحة الإله.

وذلك لأن ديانة بنى إسرائيل تقضى بستة أيام عمل ويوم سابع للراحة والعبادة (خروج 2.: 8) وهكذا يبدو أن المؤلف أراد أن يطبق القاعدة على سلوك الإله نفسه بغية إعطائها قيمة كونية (18) والأسفار الخمسة مليئة بالتناقضات والحالات التى لا يقبلها المنطق بدرجة غريبة ،  ولكننا لاستحالة سرد كل المتناقضات سنكتفى بأبرز الأمثلة : إن من يقرأ الإصحاح الأول والثانى من سفر التكوين بتمعن يلاحظ مباشرة أنه عند الآية الثالثة من الإصحاح الثانى تنتهى قصة خلق الإنسان وتبدأ قصة أخرى تتحدث عن الموضوع وتختلف عن الأولى بالتفاصيل الأساسية . فى القصة الأولى يخلق الرب فى اليوم السادس الرجل والمرأة فى وقت واحد ،  وفى القصة الثانية خلق الرب الإنسان من أديم الأرض وأسكنه جنة عدن وأعطاه الحيوانات والطيور لتعيش معه وقبل النهاية خلق المرأة من ضلعه .  هنا يتبادر للذهن أن أمامنا مصدرين مختلفين تماماً ،  متصلين اتصالاً واهياً حتى  ودون أية محاولة للتنسيق فى مواضيعهما ،  لقد أثبت تحليل النص أننا نصادف فى الأسفار الخمسة أربعة مصادر مستقلة تعود بأصلها إلى حقب تاريخية مختلفة ،  وبالتالى ليس هناك أسس لتسجيل المؤلفات الخمسة باسم شخص واحد أى موسى (19) ،  وتصل الاختلافات فى بعض الحالات إلى حد التناقض القاطع فإن إثبات أن هذه الحكايات مستمدة من مصدرين منفصلين يصل إلى حد اليقين ،  فالحكاية اليهوية عن الطوفان تميز بين الحيوانات الطاهرة والحيوانات النجسة وبينما أخذ نوح فى الفلك سبعاً من كل صنف من صنوف الحيوان الطاهر ،  لم يأخذ معه سوى زوج من صنف الحيوان النجس . أما الكاتب الكهنوتى فلم يميز من الجهة الأخرى بين صنوف الحيوان على هذا النحو ،  بل جعلها تدخل الفلك وهى على قدم المساواة مع بعضها البعض وإن قصر عددها بدون تحيز على زوج من كل صنف ،  والسبب فى هذا الاختلاف بين ،  هو أن الكاتب الكهنوتى لم يفرق بين ما هو طاهر وما هو نجس ،  على أساس أن هذه التفرقة قد أوحى بها الرب لموسى لأول مرة ،  ومن ثم فإن نوحاً لم يكن يعرفها ،  أما الكاتب الذى لم يتعب نفسه بالتفكير فى هذا الموضوع ،  فقد ادعى أن التفرقة بين صنوف الحيوان على أساس الطهارة والنجاسة كانت معروفة لدى الجنس البشرى منذ العصور الأولى ،  كما لو كانت هذه التفرقة ترتكز على أساس طبيعى واضح كل الوضوح بحيث لا يخطئها أحد (20) .

وكما أن قصة التوراة لا تقدم لنا ديانة توحيدية –  كما نعرف التوحيد الآن –  وإلا فهل من التوحيد أن يوصف الله ـ جل جلاله ـ بالحزن والأسف لخلقه الإنسان كما جاء فى التكوين (6: 6 ـ7 ) (21) إلا أنها تؤسس لفكرة ندم الرب الدائم حول ما يرتكبه من شرور فى حق شعبه الذى يغيظه دائماً ،  وعندما يندم بشكل خاص عما يفعله الشعب اليهودى من شرور ودون غيره من الأمم والشعوب التى يدعى أنه خلقها ،  فإنه يعطيهم حقاً مقدساً لديمومة القيام بالشرور والجرائم فكما أن الرب دائم الندم ،  هم دائمو ارتكاب الشرور ،  ثم أنه هناك اختلافاً جوهرياً آخر بين الكاتبين ( اليهوى والكهنوتى) يتعلق بدوام مدة الفيضان فقد ظلت الأمطار تهطل فى قصة الكاتب اليهودى مدة أربعين يوماً وأربعين ليلة ،  ثم ظل نوح فى فلكه بعد ذلك مدة ثلاثة أسابيع قبل أن ينحسر الماء بمقدار يمكنه من الرسو بسفينته ووفقاً لهذا الحساب فإن الفيضان يكون قد دام واحد وستين يوماً ،  أما فى الحكاية الكهنوتية فقد أخذ الطوفان يهطل مدة مائة وخمسين يوماً ،  وبعدها أخذت المياه فى الانخفاض أما مدة الفيضان فى العموم فقد استغرقت اثنى عشر شهراً وعشرة أيام ،  وحيث أن الشهور العبرية كانت شهوراً قمرية فإن الإثنى عشر شهراً تقدر بثلاثمائة وأربعة وخمسين يوماً ،  وإذا أضفنا إلى هذا الرقم عشرة أيام أخرى فإن المدة تكون حينئذ سنة شمسية كاملة – أى ثلاثمائة وأربعة وستين يوماً .. ومرة أخرى يختلف الكاتبان فى مصدر الفيضان بينما يعزوه الكاتب اليهوى إلى الأمطار يعزوه الكاتب الكهنوتى إلى تدفق المياه الباطنية إلى جانب سقوط الأمطار الغزيرة . (22)

لقد أثبت تحليل النص أننا نصادف فى الأسفار الخمسة أربعة مصادر مستقلة تعود بأصلها إلى حقب تاريخية مختلفة وبالتالى ليس هناك أية أسس لتسجيل المؤلفات الخمسة باسم شخص واحد أى موسى (23) كما أن سفر التكوين لا يحتوى أية عبارة يمكن أن تشير إلى علاقة موسى به رواية وتدويناً كما أنه ليس فى بقية الأسفار(الخروج ،  اللاويين ،  العدد ،  التثنية ) آية واحدة تؤكد أن موسى هو كاتبها ، فضلاً عن أن التكوين – فيما يرى استروك – ليس عملاً موحداً قام به مؤلف واحد ،  وإنما هو من عمل مجموعة من كتاب متتاليين ،  ومن مصادر مختلفة وأنه أخذ صورته الحالية بمرور الزمن ،  ويضيف العالم اليهودى ابن عزرا إلى ذلك أدلة منها : أن موسى لم يكتب مقدمة سفر التثنية لأن عبارة ” عبر نهر الأردن ” لا تصدر إلا عن كاتب كان فعلاً فى كنعان ،  وموسى لم يعبر الأردن أبداً وهكذا يرى الشراح أن الآيات الخمسة الأولى من التثنية ليست من كلام موسى وإنما أضافها يشوع أو عزرا .  والأمر كذلك بالنسبة إلى الإصحاح الرابع والثلاثين منه والذى يرى” آدم كلارك ” أنه كان أول إصحاحات سفر يشوع كتبه شيوخ إسرائيل السبعون بعد موت موسى بفترة ثم وضع فى أول إصحاحات يشوع ،  ولكنه انتقل بعد ذلك إلى مكانه (24) ،  ذلك فى الوقت الذى تبين قراءة عابرة للكتب الخمسة ،  لا منطقية كاملة فى الأسطورة : كيف استطاع موسى وصف وفاته ؟ بأية معجزة استطاع أن يعرف أن قبره سيضيع ولن يجده أحد أبداً ! … صار من المعروف الآن أن كلمة نبى دخلت إلى اللغة العبرية القديمة متأخرة جداً ،  وسنعطى مثالاً آخر من الأسفار الخمسة عن الخطأ الواضح فى تسلسل تاريخ الحوادث : ” الملوك الذين ملكوا فى أرض أدوم قبلما مَلَك مَلِك لبنى إسرائيل ” (التكوين إصحاح 36: 31) من أين لموسى أن يعرف أنه سيكون ملكاً عن الإسرائيليين ،  فأول ملك عبرانى هو شاول الذى حكم فى الربع الأخير من القرن الحادى عشر ق . م ،  أى بعد وقت طويل من وفاة موسى (25) ومن الأخطاء التاريخية المقصودة وعن عمد لإكساب أحقية زائفة للإسرائيليين على أرض فلسطين أن التكوين (4 : 15) يطلق على أرض كنعان أثناء عرضه لقصة يوسف ” اسم أرض العبرانيين ” وذلك خطأ تاريخى لأن العبرانيين لم تكن لهم أرض تسمى باسمهم فى كنعان أيام موسى ،  فضلاً عن أن يكون ذلك على أيام موسى .

ومنها أن الخروج (15: 14) يقول : ” تأخذ الرعدة سكان فلسطين ” ومن المعروف تاريخياً أن كلمة فلسطين وهى مشتقة من كلمة فلسطيا او قلستيا نسبة إلى قبائل البلست ـ لم تطلق على أرض كنعان إلا بعد غزو شعوب البحر للمنطقة فى عهد فرعون مصر العظيم رمسيس الثالث (1182-1151ق . م) إذا اشتركت قبائل البلست الهندوأوروبية فى الغزو الذى قام به أقوام البحر هؤلاء فى السنة الثامنة من عهد رمسيس الثالث ، ثم انتهى بهزيمة منكرة لهم فى معركة بحرية وأخرى برية ثم سمح الفرعون لهم بالإقامة فى ساحل بسورية الجنوبية فى المنطقة ما بين يافا وغزة ثم أطلق اليونان اسمهم على كنعان وهكذا احتفظ التاريخ باسم قبائل البلست هؤلاء على فلسطين ،  وربما كان السبب لأنهم آخر من نزل بها وإلى كثرة ترديد التوراة لاسمهم ،  وهكذا يبعد العهد بموسى عن ظهور هذه التسمية ،  مما يدل على أن إطلاقها على أيامه خطأ تاريخى ،  كما يجعلنا كذلك نستبعد أن يكون موسى صاحب هذا الكلام .

منها كذلك ما جاء فى تكوين (13-3) من أن إبراهيم قد اشترى مغارة المكفيلة من عفرون الحثى من بنى حث ـ وهى تكأة يستند عليها الصهاينة لملكية الأراضى الفلسطينية ـ وما جاء فى (26: 34 ، 36: 1- 3) عن زوجات عيسو الحيثيات ومن المعروف تاريخياً أن الحيثيين لم يظهروا فى فلسطين على أيام إبراهيم وحفيده عيسو ،  صحيح أن الحيثيين كانوا على صلة بسوريا فى عصر الإمبراطورية الحيثية ،  وأن الجيوش الحيثية على أيام ” شو بيلو ليوما ” (1375-1350 ) قد وصلت دمشق ،  ولكنها لم تدخل فلسطين نفسها على الإطلاق ،  ولم توجد بين الدول الحيثية دولة واحدة تقع جنوب حماة ،  ولم تكن هذه الأخيرة ضمن أى جزء من أقاليم فلسطين ،  إذ كانت تفصلها عنها المملكة الآرمية فى دمشق ،  وعلى ذلك فإن وجود الحيثيين فى فلسطين قبل الغزو الإسرائيلى ــ  فضلاً عن أن يكون ذلك على أيام إبراهيم  ــ  يثير مشكلة عجيبة لم يجد لها النقاد من تعليل سوى نسبة نصوص التوراة  التى تتردد قبلها كلمة ” بنى حث ” و ” حيثيات ” إلا الكاتب الكهنوتى فى العهد التالى للنفى ،  ومن ثم فليست بالدليل التاريخى ذى القيمة الكبيرة وهناك كذلك الشك فيما جاء فى التكوين (25: 8- 1.) من أن إبراهيم قد دفن فى مغارة المكيفلة ذلك لأنه من القرن الثامن عشر وحتى القرن الثانى عشر لم يكن لإبراهيم وذريته مقام فى غير الجنوب عند جيرار أو وراءها جنوباً ، ولم يكن لإبراهيم مقام فى حيرون ،  ولهذا يرجح الدكتور كامبيل أن إبراهيم لم يدفن فى مغارة الكفيلة بحبرون على مقربة من أورشاليم ،  ولكن الذين انتسبوا إليه تعلقوا بذكر هذا المدفن لتسويغ دعواهم فى مملكتهم (26) وتبرير دعاوى الصهيونية فى امتلاك أرض فلسطين .

 

المراجع:

 

18) ولادة إله /التوراة والمؤرخ ص  25

19) الأسطورة والحقيقة فى التوراة  ص  127

20) الفلكلور فى العهد القديم    جـ 1  ص  14

21) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل  ص  147

22) نفسه ص  148

23) الأسطورة والحقيقة فى التوراة   ص 126

24) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل   ص 88

25) الأسطورة والحقيقة فى التوراة ص1264

26) دراسات فى تاريخ الشرق 2 أسرائيل ص116

موضوعات تهمك:

المزاعم الصهيونية اللاهوتية العنصرية

مؤسس علم الأنساب الجيني ينسف مزاعم الصهيونية ويكذب اليهود

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة