المحادثات الأمريكية ـ الروسية: الحرب الباردة باقية وتتمدد

محمود زين الدين13 يناير 2022آخر تحديث :
الحرب الباردة

التوتر بين حلف الناتو وأمريكا من جهة وروسيا من جهة ثانية يدور حول استئناف الحرب الباردة عن طريق الإنابة.

مشهد التوتر الراهن حول أوكرانيا ليس سوى مظهر واحد يدل على أن تركة الحرب الباردة باقية، وآثارها تتوسع وتتمدد.

يلوح أحياناً كأن خيارات الرئيس الأمريكي السابق ترامب ما تزال على حالها ولم تطرأ عليها تعديلات ملموسة مع بايدن الذي وعد بالتغيير.

إدارة بايدن تواصل إحياء مشكلات كانت ذات يوم في صلب الحرب الباردة وليس مع روسيا وحدها بل كذلك مع الصين وعلى أصعدة اقتصادية وتجارية وتكنولوجية.

* * *
جولة المحادثات الأمريكية ـ الروسية التي انعقدت في جنيف بشأن أوكرانيا انتهت إلى فشل واضح رغم أنه لم يكن معلناً، أو هو لم يغلق آفاق جولات لاحقة من المباحثات حسب إعلان النوايا على الأقل. وما تعثر فيه الرئيس الأمريكي جو بايدن مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال مباحثات عبر الفيديو جرت أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يصعب أن يثمر ويسفر عن نجاح خلال مفاوضات في مستوى معاوني وزيري الخارجية في البلدين.
ومن حيث المحتوى الظاهر تختلف واشنطن مع موسكو حول نشر الكرملين نحو 100 ألف جندي روسي على الحدود مع أوكرانيا، في حين تجادل موسكو بأن البيت الأبيض يهدد حدود روسيا عبر تزويد أوكرانيا بأسلحة متقدمة وصواريخ بعيدة المدى تقرع أبواب العاصمة الروسية. ومن حيث هذا المحتوى أيضاً، تعترض روسيا على قبول عضوية أوكرانيا في الحلف الأطلسي، مما سيسمح بتوسع عسكري أطلسي وأمريكي يتضافر مع وجود مماثل للحلف وللولايات المتحدة في بولندا.
وأما من حيث المحتوى الفعلي الأول فإن التوتر بين الحلف والبيت الأبيض من جهة وموسكو من جهة ثانية إنما يدور حول استئناف الحرب الباردة عن طريق الإنابة.
فالفريق الأول يسعى إلى احتواء ما يعتبره غزواً عسكرياً روسياً في بعض أقاليم أوكرانيا ترافق أيضاً مع خطوة موسكو بضمّ جزيرة القرم،
والفريق الثاني يتصرف من منطلق ما يراه إجراءات الحد الأدنى في الدفاع عن النفس وترتيب أمن الحدود الروسية مع الفريق الأول عبر أوكرانيا. وهذا استعصاء ليس من السهل إيجاد تسوية حوله ترضي مصالح الفريقين، خاصة وأن العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا موجعة وتنذر بما هو أقسى، وأن موسكو تواصل التلويح بخط الغاز «نوردستريم 2» كمادة ابتزاز مبعثها حاجة الصناعة الغربية إلى التحول من الفحم والطاقة النووية إلى الغاز.
ومن المنتظر أن تدخل أوروبا على خط المسألة الأوكرانية عبر اجتماع يعقد الخميس المقبل في فيينا ويجمع وفداً روسياً مع منظمة الأمن والتعاون الأوروبية، يسبقه اجتماع روسي مع الحلف الأطلسي في بروكسيل، غير أن تعذر الحلول يظل مهيمناً على هذين الاجتماعين بالنظر إلى أن عناصر الضغط الروسية أخذت تضعف تدريجياً، فالخيار العسكري مغامرة مكلفة ويمكن أن تنطوي على عواقب وخيمة، كما أن ورقة «نوردستريم 2» تراجعت أهميتها بعد متغيرات القيادة السياسية في ألمانيا حيث انضم إلى الائتلاف الحاكم تيار الخضر المعادي لخط الغاز على نقيض حكومة أنغيلا ميركل.
الإدارة الأمريكية الراهنة تواصل من جانبها إحياء عدد من المشكلات التي كانت ذات يوم في صلب ملفات الحرب الباردة، وليس مع روسيا وحدها بل كذلك مع الصين وعلى أصعدة اقتصادية وتجارية وتكنولوجية، حتى يلوح أحياناً وكأن خيارات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ما تزال على حالها ولم تطرأ عليها تعديلات ملموسة مع بايدن الذي وعد بالتغيير.
وبهذا فإن مشهد التوتر الراهن حول أوكرانيا ليس سوى مظهر واحد يدل على أن تركة الحرب الباردة باقية، وآثارها تتوسع وتتمدد.

المصدر| العربي الجديد

موضوعات تهمك:

من سائق تاكسي إلى سائق روسيا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة