الفساد ودلالاته في الأردن!

الساعة 2511 أغسطس 2018آخر تحديث :
الفساد ودلالاته في الأردن!

الفساد معضلة كبيرة في الأردن، وسيكون حلها مفتاحا نحو انطلاقة منشودة، أو الطريق إلى مزيد من الاحتجاج.

الانتقال من اقتصاد ريعي وتوظيف حكومي إلى اقتصاد تنافسي منتج يؤدي لإعادة تغيير الخطط وتوزيع الثروة بين الناس.

بقلم: جواد العناني

في دولة جنوب أفريقيا التي عمّ فيها الفساد إبّان فترة حكم الرئيس جاكوب زوما، الذي تولى زمام الأمور بعد نيلسون مانديلا وثابو أمبيكي، بدأت حملة قوية مدعومة من المنظمات الدولية، لوضع حد للفساد الرسمي وغير الرسمي.

وقد اختار النشطاء لمواجهة الفساد مفرداتٍ إيجابيةً تسعى إلى تجنب مصطلحاتٍ، مثل “مكافحة الفساد”، و”اجتثاث الفساد من جذوره” بمصطلحاتٍ إيجابيةٍ، مثل تعزيز النزاهة، واستعادة الكرامة، وضمان الحاكمية، والتأكيد على الشفافية، وغيرها.

وفي الأردن، برزت، خلال الشهر المنصرم، أكثر من قصة فساد، أبرزها قصة السجائر بدون ترخيص. وكانت الحكاية في البداية قصة عادية، أثارها نائبان في مجلس النواب الأردني في أثناء مناقشة طرح الثقة بحكومة عمر الرزاز الجديدة. وقال أحدهما موجهاً كلامه إلى رئيس الوزراء إنه لن يمنح الحكومة الثقة إلى أن يستمع من رئيس الوزراء ردّاً مقنعاً لمعالجة هذه القضية.

وقد أجاب رئيس الوزراء، بأنه قد سمع بالقضية، وأحالها إلى النائب العام العسكري، بصفتها جريمة اقتصادية  ضد الوطن، وتهدّد أمنه الاقتصادي والاجتماعي.

وبالفعل، ألقي القبض على متعاونين مع المتهم الرئيسي في القضية، واثنين من أولاده، أما هو فتبين أنه هرب إلى لبنان. ومن هنا، بدأت القضية في التفاعل.

وزجّت في طاحونة الإشاعات على الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، أسماء لرئيس وزراء سابق ووزراء ونواب سابقين وحاليين، وعاملين كثيرين في الدوائر ذات العلاقة، مثل الجمارك، وأمن الحدود، وغيرها.

ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل صارت مصادر إعلامية غير رسمية من إسرائيل تصبّ الكاز على النار، تارة بالقول إن الأمر يتعدّى تهريب السجائر وإنتاجها بدون ترخيص، وإنما هنالك تجارة مخدرات وحبوب مخدرة تنتج في الأردن بكميات كبيرة، مثل “الكيبتاغون”.

وصار الموضوع برمته حديث الناس  في كل مكان. وتبيّن بالبداهة أن الموضوع ليس حديث العهد، بل إنه عابر لحكومات سابقة.

ولما تناولته الألسن، قرّر رئيس الوزراء الأردني السابق، هاني الملقي، أن يخرج عن صمته، ويصدر تصريحاً يقول فيه إن حكومته هي التي اكتشفت موضوع التهريب، وأن رئيس الوزراء (أي الملقي) أصدر تعليماته لوزرائه أصحاب العلاقة والجهات الأمنية المعنية بالتحقيق في الموضوع بدون إعلام أو ضجيج، حتى لا تتأثر المملكة بهذا الحديث السلبي، وتتعمق المشكلات في الداخل.

ولكن الناس لم يقبضوا هذا الأمر على علاته، بل حولوا تصريحات الملقي إلى مادة للفكاهة والسخرية المُرّة، أقلها مستذكرين قول الشاعر العربي:

إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ// أو كنت تدري فالمصيبةُ أعظمُ!

ولما عاد الملك عبدالله الثاني من غيبته التي أجمع الناس على أنها طويلة، في ظل الحديث عن “صفقة القرن”، وتصاعد المشكلات الاقتصادية والأمنية داخل الأردن، وعدم وضوح ما يجري على أرض فلسطين، وغموض موقف الحكومة ووزير الخارجية، أيمن الصفدي، من فتح المعابر الحدودية مع سورية، سارع الملك، بعد لقاءاته مع الجيش والأجهزة الأمنية، إلى الالتقاء برئيس الوزراء.

كما ترأس جانباً من جلسة مجلس الوزراء، وأكد الملك في هذا اللقاء على ضرورة “كسر ظهر الفساد”، والتصدّي لكل أطرافه، بغض النظر عن مواقعهم، مؤكداً أن لا أحد فوق القانون.

ولكن لم يفُتهُ، في الوقت نفسه، أن يذكّر بأن اغتيال الشخصيات وتشويه سمعة الناس واستثمار مناخ الإشاعة لصالح انتقامات شخصية يعتبر خطاً أحمر لن يسمح بتجاوزه.

وقد بدأ الناس بناءً على المعلومات القليلة والدقيقة عن قضية السجائر يتساءلون عن مقدار الدخل الذي ضاع على الخزينة مقابل ذلك.

وقدّر بعضهم أن المجموع الذي ضاع على الحكومة قد يفوق 1.5 مليار دينار، أو ما يساوي حوالي 17% من مجموع موازنة الدولة للعام الحالي (2018). وأن هذه المبالغ لو تحصلت لما كان للحكومة حاجة إلى تطبيق برنامج صندوق النقد الدولي.

ولما احتاجت الحكومة إلى إعادة البحث في قانون ضريبة دخل جديد، يكون مقبولاً من الناس، في الوقت الذي يجب أن يتحقق للحكومة من ورائه إيرادات إضافية عن القانون السابق.

ومما يلاحظ أن عملية الإصلاح التي ينادي بها الملك عبدالله الثاني، وضمّنها في أوراقه النقاشية السبع التي أصدرها منذ العامين 2012 و2017 قد بدأت تصطدم بحواجز اجتماعية سياسية، فالانتقال من الاقتصاد الريعي والتوظيف الحكومي إلى الاقتصاد التنافسي المنتج يؤدي، بالضرورة، إلى إعادة تغيير الخطط وإعادة تقسيم الدخل والأرزاق بين الناس.

لذلك، صار المستفيدون من الترتيب السابق يشعرون بأن الانتقال من اقتصادٍ يتحكّم القطاع فيه ملكيةً وربحاً وإدارةً وتوزيعاً هو الأكثر فائدة لهم. أما قطاعا التجارة والصناعة فإنه يرى في إعادة كثير من النشاطات التجارية والملكية للصناعات والمرافق العامة إلى القطاع الخاص أجدى لهم.

ولذلك ارتبط الفساد في أذهان الناس بعدد من القضايا المهمة، ومنها إجراءات الخصخصة، خصوصا في بيع أسهم الحكومة في شركات الفوسفات والبوتاس والاتصالات والكهرباء وغيرها.

واتهموا هذه العملية بالفساد، خصوصا أن أحداً من الأسرة الهاشمية شغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة كبرى، واتهم بالفساد، وهو لا يزال طليقاً يعيش خارج الأردن، علماً أنه حوكم عسكرياً وغيابياً في الأردن، ما يجعل طلب المملكة إرجاعه إلى الأردن أمراً غير مقبول لدى السلطات البريطانية.

ولا يزال أولاده يدافعون عنه بشراسة، ويسعون إلى إثبات براءته من التهمة، خصوصا أن الشركة، في أيامه، حققت أرباحاً أعلى بكثير مما تحققه الآن. ولكن الملك عبدالله الثاني شكل لجنة قبل سنوات، وبعضوية خبراء من داخل الأردن وخارجه، وضعوا دراسة علمية عن عملية الخصخصة، دارسين كل حالة ومقيّمين لها.

وكذلك تساءل الناس عن النفط وأسلوب شرائه، وتسعيره. وقد حاولت حكومات سابقة شرح آلية التسعير للمشتقات النفطية المعوّمة، لكنها لم تنجح إلا عندما تولت حكومة الدكتور الرزاز ذلك، وخرجت وزيرة الطاقة الجديدة، هالة زواتي، وزملاؤها لشرح المعادلة. ولكن لا يزال هنالك مشككون.

وأخيراً جاءت قضية إنتاج السجائر وبيعها بدون جمارك، ولا رسوم، وتبين أنها عملية كبرى. واتخذ الناس من كل هذه القضايا ذريعة للقول إنهم ما عادوا يتحملون ضرائب إضافية، في ظل البطالة والفقر السائدين، وفي ظل الفساد الناخر في الاقتصاد.

هذه معضلة كبيرة في الأردن، وسيكون حلها المفتاح نحو الانطلاقة المنشودة، أو الطريق إلى مزيد من الاحتجاج.

* د. جواد العناني خبير اقتصادي، نائب رئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي الأردني سابقا.

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة