العقوبات الغربية.. الطريق المسدود؟

محمود زين الدين21 أغسطس 2022آخر تحديث :
العقوبات

فرض عقوبات يسمح للغرب بإظهار خلافه مع العمل السياسي الذي قامت به روسيا في حين يتفادى إعلان الحرب.
كيف يمكن للمرء أن يأمل في استسلام بلد كبير وقوي مثل روسيا، بزعيم يتسم بقوة التصميم مثل فلاديمير بوتين؟
العقوبات لم تعد تُنتج النتيجة المرجوة، بل يمكن أن تؤدي ليس إلى عزلة نسبية للعالم الغربي فقط، بل أيضاً إلى عجزه نسبياً.
يمكن أن نتساءل ما إن كان الغرب لا يخضع هو نفسه بشكل غير مباشر للعقوبات التي فرضها. فكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟
لم يعد الغرب يملك نفس الهيمنة على البلدان الأخرى لأنه لم يعد يهيمن على العالم وإذا واصلنا التصرف مثلما كنا نفعل في الماضي، فإننا سنفشل بلا ريب.
يبدو أن العقوبات تُتخذ أحياناً للقيام برد فعل وعدم الاعتراف بالعجز دون أن تكون فعّالة ودون الوصول للهدف الذي يفترض تحقيقه أي تعديل السلوك السياسي للخصم.
العقوبات تطرح إشكالية لأنها فُرضت من قبل الغرب وحده دون تشاور مع بقية دول العالم، التي رفضتها بسبب رفضها اتباع الغرب بانقياد أعمى كما فعلت من قبل.
* * *
بعد ستة أشهر على اندلاع الحرب، لم تسيطر موسكو على كييف وجزء كبير من أوكرانيا. غير أن روسيا تسيطر مع ذلك على نحو 20 في المئة من التراب الأوكراني.
وفي الوقت الذي اتخذت فيه البلدان الغربية عقوبات ثقيلة للغاية ضد روسيا، يبدو من الصعب على المدى القصير تخيل فلاديمير بوتين خاضعاً أمام هذه العقوبات والجيش الروسي راحلاً من أراضي أوكرانيا، لدرجة أنه يمكن أن نتساءل ما إن كان الغربيون لا يخضعون هم أنفسهم، بشكل غير مباشر، للعقوبات التي فرضوها. فكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟
الواقع أنه إذا كان الغرب لا يرغب في اللجوء إلى الحرب، فإنه لا يستطيع فعل شيء ما على مستوى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة نظراً لأن روسيا، بصفتها عضواً دائماً، ستستخدم الفيتو ضده دون أدنى شك.
وإزاء المطالبة القوية جداً برد من قبل الرأي العام، فإن فرض عقوبات يسمح للغرب بإظهار خلافه مع العمل السياسي، الذي قامت به روسيا، وفي الوقت نفسه تفادي إعلان حرب. يتعلق الأمر هنا بنوع من رد الفعل التلقائي الغربي بالنظر إلى أن العديد من العقوبات كانت تُفرض عقب خلافات سياسية مهمة مع بلد البلدان.
بيد أن التاريخ أظهر أن العقوبات لم تكن دائماً فعّالة، بل إنها لم تكن فعّالة أبداً. فالولايات المتحدة، على سبيل المثال، اتخذت عقوبات ثقيلة جداً إزاء كوبا لدرجة أنها أخضعت الجزيرة لما يشبه الحصار. ومع ذلك، فإن النظام الذي أسسه فيديل كاسترو مازال قائماً، حتى بعد وفاته.
عقوبات شديدة أيضاً اتُّخذت أيضاً ضد صدام حسين، ولكن تلك العقوبات أضرت قبل كل شيء بالشعب العراقي (500 ألف ضحية ما بين 1991 و2003) من دون أن يؤدي ذلك إلى تفادي الحرب من أجل الإطاحة بصدام حسين.
والعقوبات المتراكمة ضد طهران منذ 1979 لم تمنع رجال الدين من التشبث بالسلطة بقوة. وعليه، فكيف يمكن للمرء أن يأمل في استسلام بلد كبير وقوي مثل روسيا، بزعيم يتسم بقوة التصميم مثل فلاديمير بوتين؟
الحقيقة أن العقوبات يبدو أنها تُتخذ أحياناً من أجل القيام برد فعل وعدم الاعتراف بنوع من العجز من دون أن تكون فعّالة حقاً وبدون الوصول إلى الهدف الذي من المفترض أن تحققه، أي تعديل السلوك السياسي للخصم.
ولعل العقوبات الوحيدة التي كانت فعّالة حقاً هي تلك التي اتخذت في حق جنوب أفريقيا والتي أرغمت النظام الأبيض على إنهاء نظام التمييز العنصري «أبارتهايد».
غير أن تلك العقوبات اتخذت على الصعيد العالمي، في حين أن الأخرى عقوبات غربية فقط. ولهذا، فإنه بوسع موسكو أن تلتف عليها وتفلت منها عبر التوجه إلى شركاء، سواء بطريقة صريحة أو سرية، لا يتفقون مع تلك العقوبات.
هذه العقوبات تطرح إشكالية نظرا لأنها فُرضت من قبل الغرب وحده، دون تشاور مع بقية دول العالم، التي رفضتها بسبب رفضها اتباع الغرب بشكل منقاد وأعمى مثلما كانت تفعل من ذي قبل.
ذلك أنه في الماضي، كانت الولايات المتحدة إذا قررت عقوبات ضد بلد من البلدان، كانت البلدان الأميركية اللاتينية تحذو حذوها، مثلما كانت البلدان الأفريقية تحذو حذو فرنسا.
والحال أن البلدان الغربية حالياً لم تعد تملك نفس الهيمنة على البلدان الأخرى لأنها لم تعد تهيمن على العالم. والأكيد أننا إذا واصلنا التصرف مثلما كنا نفعل في الماضي، فإننا سنفشل بلا ريب. وها هم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يسيرون في طريقهم الخاص.
إن العقوبات لم تعد تُنتج النتيجة المرجوة، بل إنها يمكن أن تؤدي ليس إلى عزلة نسبية للعالم الغربي، ولكن أيضاً إلى عجزه نسبياً.
ولهذا، فإنه من الضروري تكييف السياسة الغربية مع المعطى الجيوسياسي الجديد بدلاً من وضع الأجندة وتمنية النفس بأن تتبعها البلدان الأخرى بشكل أعمى.
بل يجب التفاوض والإقناع بأن أعمال روسيا غير مقبولة وبأنها يمكن أن تعرّضهم هم أنفسهم للخطر، في احترام لوحدتهم الترابية.
برسمه أهدافاً غير قابلة للتحقيق، وعدم احترامه لمبادئه الخاصة، وتصرفه كما لو أنه ما زال يحتكر القوة، يضعف العالم الغربي وتذهب ريحه.
غير أنه إذا كان هذا الأخير يرغب في الدفاع عن نفسه، ولكن أيضاً في الحفاظ على نوع من الهالة وقدرات على المناورة، فيجب عليه أن يُظهر الاتساق المنطقي، وأن يتبنى الزعامة من خلال التفاوض والتأثير.
ولا شك أن تبني خطاب منتقد لا يعني تبني خطاب مناوئ للغرب، وإنما على العكس، خطاب غربي منطقي ومنسجم ومتماسك.

* د. باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس

المصدر: نيويورك تايمز

موضوعات تهمك:

التضخم بين 1980 و2022

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة