الحلقة المفقودة في قضية إغتيال خاشقجي

الساعة 259 أكتوبر 2018آخر تحديث :
الحلقة المفقودة في قضية إغتيال خاشقجي

الحلقة المفقودة في قضية إغتيال خاشقجي مركز دراسات لشخصيات سعودية برعاية الأمير تركي.

 

دخل القنصلية او خرج منها… صناديق السيارة السوداء… قُتل أم خُطف أو اختفى؟

هذه اليوم عناوين الإعلام حول الكاتب السعودي الغائب فجأة والمغدور جمال خاشقجي.

ورغم ان التفاصيل مهمة إلا أن جذر القضية قد يكون هو الأهم في قراءة المشهد الذي تطوّر بإطار سيناريو تحت عنوان “سري للغاية” وبدأت تفاصيله منذ سبعة أشهر تقريبا.

يبدو أن “تحييد” خاشقجي حسب التعبير التركي أو “تصفيته جسديا” حسب التعبير السعودي له علاقة بمواجهة استخبارية أعقد بين ثلاثة أطراف كان يفترض أن تبقى متحالفة وهي الولايات المتحدة وتركيا والمملكة العربية السعودية.

وفقا للرواية التي تابعت تفاصيلها “القدس العربي” في البعد الامني تحديدا دفع الغائب او الراحل جمال خاشقجي حياته ثمنا لمغامرة جديدة استخبارية خلف الستارة والكواليس لها علاقة بزاويتين في غاية الاثارة.

الاولى هي تلك المرتبطة بحسابات معقدة بين مجموعة العهد السعودي الجديد بقيادة الأمير محمد بن سلمان ومجموعة الرئيس الأمريكي المتشدد دونالد ترامب والذي أسقط التفاعل السعودي سياسيا من حساباته وهو يتعامل مع التصريحات الابتزازية العلنية عنصرا مهما في التركيب اللغوي السياسي أمهل فيه الرئيس ترامب السعوديين أسبوعين فقط لتعديل الميزان المنحرف في ملف “الدفع مقابل الحماية”.

 

اقرأ/ي أيضا: الصحافي في زمن الاختفاء

هنا أغفل المحللون والمتابعون مضامين هذا الإنذار الزمني وانشغل الجميع في التصريحات البهلوانية للرئيس الامريكي وهو يحاول ابتزاز السعودية مجددا قبل جملة التذاكي والتحدي التي وردت على لسان الأمير محمد بن سلمان في منبر إعلامي يملك أصلا 40 % من أسهمه بعنوان يقول إن “المملكة لا تدفع مقابل الحماية”.

ساعات فقط فصلت بين انفجار لغم الإعلامي خاشقجي ونبرة الرد عند الأمير الشاب بن سلمان.

تلك أيضا عناصر أساسية في التوقيت، تؤشر مجددا إلى أن عملية “تحييد” خاشقجي هي في واقعها الأمني السياسي ضربة موجهة ليس للصحافي الراحل فقط ولكن لحلقة أكثر أهمية منه بكثير.

تلك الحلقة متمثلة بالأب الروحي لجهاز الاستخبارات الأمير تركي بن فيصل بن عبد العزيز وهو رجل مؤسس في أبرز جهاز أمني سعودي وحلقة اساسية في العلاقة المؤسساتية مع الأمريكيين وتعرض مؤخرا مع العهد الجديد لما تعرض له غيره من إقصاء وتهميش واستهداف في بعض المراحل.

أمير الاستخبارات المؤسس والمخضرم قضى وقتا أكثر مما ينبغي مؤخرا ما بين تركيا والولايات المتحدة والرياض.

ويعرف الإعلاميون السعوديون الخبراء أن دور وفضل الأمير تركي على الدولة السعودية كبير جدا وتاريخي.

ويعرف هؤلاء أيضا أن الناشط الاعلامي الغائب الآن جمال خاشقجي كان ومنذ ثلاثين عاما على الأقل بمثابة “الفتى المدلل” للأمير تركي بعدما نجح في استقطابه والاستثمار فيه وقدمه في مواقع متقدمة طوال عقود.

لم يبتعد خاشقجي عن حلقة الحكم الضيقة وكان على تماس دائم فيها إلا عندما صعد برنامج الأمير بندر بن سلطان في الأزمة السورية وهنا أيضا كان لخاشقجي بعض المهام البسيطة.

وليس سرا في السياق أن الأمير تركي تبنى خاشقجي منذ شبابه وكان للأخير دور دائم في افغانستان وفي الاردن عندما يتعلق الأمر بالتجنيد لصالح الجهات وبالتعبير الإعلامي وبالتواصل مع الاسلاميين تحديدا بجناحيهم المحسوب على الإخوان المسلمين والأصولي المتطرف ايضا.

 

اقرأ/ي أيضا: مغانم ترامب من مقتل خاشقجي

 

عندما انتهى الجهاد في أفغانستان صعد نجم خاشقجي كذراع إعلامية قوية وحظي ايضا بحماية ودعم الأمير تركي وطوال الوقت، حتى أن مصادر المعلومات المطلعة تشير إلى أن الأمير تركي شخصيا تدخل مؤخرا لكي يضمن لخاشقجي بطاقة الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الامريكية. كل ذلك معروف لخبراء المشهد السعودي.

الجديد تماما هو أن المقربين من حلقة ولي العهد الشاب ارتابوا بتلك الزيارات التي يقوم بها الأمير تركي وبصورة مكررة إلى تركيا. وهي زيارات يمكن ربطها باستقطاب خاشقجي إلى اسطنبول وبالاستثمار في علاقته الشخصية بالرئيس رجب طيب اردوغان بحيث تشكلت قبل عام وبضعة أشهر تقريبا نواة الخلية الأولى تحت عنوان إقامة مركز استشارات ودراسات عميقة حول القضايا المهمة في المنطقة والاقليم برعاية اسطنبول وانقرة.

 

اقرأ/ي أيضا: مقتل صحفية استقصائية بعد إغتصابها بسبب عملها

 

يفترض من البداية ان الوجه الأبرز في إطار هذه المؤسسة البحثية هو الغائب تماما الآن والمغدور خاشقجي وذلك برعاية ودعم مجموعة مقربة ايضا من الأمير تركي بدأت بدورها تبحث عن أسواق وزبائن لسلسلة من الدراسات الأمنية العميقة.

يبدو أن السلطات السعودية لم يكن لديها مشكلة تجاه هذا الجهد حتى قبل نحو شهرين أو ثلاثة فقط حيث بدأت اتصالات من خلية صغيرة معنية بالمركز المشار إليه مع شخصيات سعودية مستنيرة أو إسلامية مستقلة ومعارضة في الخارج.

المعلومات تتحدث هنا عن الاتفاق على استقطاب نحو 80 شخصية على الأقل تحت بند الاستشارات والدراسات وغالبية عناصر هذه المجموعة من سعوديي الخارج ونشطاء الحقوق المدنية والإسلاميين المستقلين الذين ابتعدوا عن المؤسسة والنظام وسبق أن خدموا فيها أصلا.

من المرجح هنا أن خاشقجي كان في صدارة جهد تنظيمي لتشكيل مؤسسة حقوقية وسياسية ومدنية الطابع على الأرض التركية وتتميز بأنها من نواة أبناء النظام والمؤسسة وأصحاب الملاحظة وليس من المعارضين الجذريين أو الكبار.

يبدو أن العاصمتين انقرة والرياض تقصدتا بالرغم من التباعد السياسي مؤخرا، عدم طرح المشروع الذي كان يشرف عليه خاشقجي بإسناد من مجموعة قريبة من الأمير تركي، باعتباره قضية إشكالية إلى أن تتضح الأبعاد والتفاصيل.

في مقايسات المؤسسة السعودية ترتكب تركيا الحماقة الأكبر وهي تحاول تجنيد سعوديين من ابناء النظام.

وفي مقاربات الجانب التركي لا مبرر للحساسية السعودية لان تركيا مفتوحة لجميع الاطراف.

ولأن التشاور في حالة خاشقجي يمكن ان يخفف من وطأة التأزم في العلاقات التركية مع الاستخبارات الأمريكية التي بدورها تدين بالولاء اليوم لإدارة الرئيس دونالد ترامب.

بمعنى آخر وجد الغائب خاشقجي نفسه عالقا بين حسابات معقدة قد لا يكون مطلعا بصورة جذرية على تفصيلاتها فمجموعة الأمير تركي تحتفظ بفاتورة خاصة لتسديد الحساب وإدارة ترامب انتقلت إلى التنفيذ الفعلي لسيناريو الابتزاز المالي.

والجانب التركي يريد الاقتراب أكثر من المعادلة السعودية لتحسين تموقعه التفاوضي والتعاون مع الجانب الأمريكي.

أما الدوائر المقربة من محمد بن سلمان فسعت للرد على الأغلب على كل هؤلاء عبر الاستثمار في التقليد السعودي التراثي القديم استخباريا ضمن منظومة ما يسمى بـ”وصايا الجد المؤسس” والتي تنص دوما على إظهار المرونة تجاه الأفراد والضرب بقسوة عندما يتعلق بأي محاولة لمأسسة أو تشكيل مؤسسة معارضة.

خاشقجي بوضوح وبصرف النظر عن نواياه وخبراته وجد نفسه عالقا في منطقة التشابك المعقدة المشار اليها.

أما الموقف اليوم فهو معقد أكثر لأن تركيا قد لا تستطيع الكشف عن كل أوراق تأسيس مشروع جديد يضم شخصيات معارضة.

والسعودية بدورها قد لا تستطيع تحمل المسؤولية أو الإشارة لهذا الملف أصلا. بمعنى آخر وفي المحصلة ووفقا لتعبير استخباري عميق استمعت له “القدس العربي” بخصوص ملف خاشقجي… الإصبع السعودي في الفم التركي والاصبع التركي في الفم السعودي والرهان سياسيا وإعلاميا على التزامن لطي الصفحة، الأمر الذي يفسر تلعثم وتعثر التحقيق عند الطرفين.

 

 

المصدر: القدس العربي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة