الحكومة الخفية الأمريكية

أحمد عزت سليم3 يونيو 2020آخر تحديث :
الحكومة الخفية الأمريكية

بقلم : مستشار التحرير :….  أحمد عزت سليم

الحكومة الخفية الأمريكية

تنفق وزارة الدفاع على البحث في الميدان العسكري قرابة 31 مليار دولار، وهو ما يعادل ميزانية الدفاع الفرنسية بكاملها ، كما تمتلك في مجال الأسلحة أنواعا تتقدم ما لغيرها بعدة أجيال ، وبإمكان قواتها المسلحة (1,4 مليون جندي) أن تسمع وتتابع وتتعرف على كل شئ سواء كان في الجو أم في البحر أم تحت الماء فبإمكانها أن ترى كل شيء من دون أن تُرى، وأن تدمر هدفا  بدقة فائقة، سواء بالليل أو بالنهار، دون التعرض لأي تهديد ، وتتوفر الولايات المتحدة على ألوان من وكالات الاستعلامات الاستخبارتية  [ وكالة الاستعلامات المركزية CIA ووكالة الأمن القومي NSA ، المكتب الوطني للاستطلاع NRO  وكالة الاستعلامات للدفاع (DIA) ] التي تشغل أكثر من 000 100 شخص بميزانية تتجاوز 26 مليار دولار . ويتحرك جواسيسها في كل مكان وفي كل وقت، لدى الأصدقاء والأعداء ، ولا يقتصر نشاطهم على سرقة الأسرار العسكرية والدبلوماسية، بل يمتد إلى سرقة الأسرار الصناعية والتكنولوجية والعلمي ، وتجنيد الأعوان من النخب والأفراد والمؤسسات  وفى إطار الهيمنة الأمريكية يوصف د. عبد الغني عماد؛ أستاذ في الجامعة اللبنانية (بيروت ــ المركز الوطنى للدراسات )  ما يطلق عليه دبابات الفكر الجديدة التى تمثل  مؤسسات ضخمة تعنى بالفكر الاستراتيجي، وبتحويله إلى خطط وخرائط وبرامج وأولويات يطلق عليها Think Tanks أي دبابات الفكر، وهذه التسمية التي تمزج الفكر بفلسفة القوة لم تأتِ مصادفة ، إنها تعبر عن التحالف بين الفكر والسلاح في الولايات المتحدة ، هذه المؤسسات الاستراتيجية وبيوت الخبرة السياسية تمثل قوة ضاغطة وفاعلة تعمل بنشاط أكبرمن مثيلها في العالم، وهي تتموّل وتتمتع بميزانيات ضخمة من كبريات الشركات. الأميركية العملاقة المعولمة الممولة لمركز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية والتي يقارب إنتاجها ما يساوي 25 في المائة من الإنتاج العالمي نذكر على سبيل المثال أن خمسة منها ـ جنرال موتورز ووال مارت وإكسون موبيل وفورد وديملركرايسلرـ يتجاوز ناتجها القومي 182 دولة في العالم. بل أن شركة أكسون يفوق دخلها دول الأوبك مجتمعة، وشركة جنرال موتورز يساوي دخلها دخل الدانمرك، وشركة بكتيل للمقاولات يساوي دخلها أسبانيا، وشركة شل يساوي دخلها فنزويلا ، هذه الشركات وغيرها هي طليعة القوى الصانعة للعولمة، وهي الأسخى تبرعاً “وتمويلاً لمرشحي الرئاسة الأميركية ولمراكز الأبحاث وبيوت الخبرة السياسية والاستراتيجية مثل مؤسسة التراث ـ أنشئت منذ 30 سنة ـ ومركز مانهاتن للدراسات ـ إنشىء من 25 سنة ـ ومؤسسة المشروع الأميركي ـ أنشىء منذ ستين سنة ـ ومركز هوفر ـ إنشىء من 25 سنة ـ ومؤسسة المشاريع الأميركية AEI ومركز سياسة الأمن والمؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي  JINSA، وقد أصبح أعضاء في هذه المؤسسات نجوم الفضائيات وصانعو القرار في الإدارة ومنهم كوندوليزا رايس وبول ولفوفيتز وريتشارد بيرل ودونالد رامسفيلد، وديك تشيني وريتشارد أرميتاج وديفيد ورمسر ودوغلاس فايث ويمكن القول أن هذه المؤسسات هي صانعة رؤساء الجمهوريات وواضعة البرامج والسياسات لكل الإدارات المتعاقبة، وخلافها هو تعبير مباشر عن خلاف المصالح التي يعبر كل منها عنه، تبعاً للجهات الممولة ، هذه المؤسسات هي إبنة التحالف الرأسمالي الصناعي – العسكري وفى عام 1961 ألقى داويت إيزنهاور خطاب الوداع بصفته رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، كان في هذا الخطاب قنبلة سياسية بكل معنى الكلمة، إذ احتوى تحذيراً للمجتمع الأميركي من وحش كاسر ينمو في أحشائه يقول بالحرف: “أن مواقع القرار الأميركي يجب حمايتها من هذا التحالف العسكري – الصناعي الرأسمالي وإلا ستكون العواقب كارثية، لأننا بذلك نضع سلطة القرار في أيدٍ غير مسئولة، لأنها غير مفوضة، وبالتالي لا يصح أن تؤتمن عليه”. ويتابع محذراً : ـــ “أود أن ألفت النظر إلى أنه إذا وقع القرار الأميركي رهينة لمثل هذا التحالف الصناعي – العسكري وأطرافه ، فإن الخطر سوف يصيب حرياتنا وممارساتنا الديموقراطية كما أنه قد يصل إلى حيث يملك حجب الحقائق عن المواطنين الأميركيين وبالتالي الخلط بين أمن الشعب الأميركي وحرياته من جهة وبين أهداف أطراف هذا التحالف ومصالحهم” و بعد ما يقارب أربعين عاماً على  خطاب إيزنهاور صدرت “الإيكونوميست” وفيها افتتاحية بعنوان “هجمة دبابات الفكر” وفيها بالحرف: “كثيرون في العالم الخارجي يتمنون لو أن الولايات المتحدة ضبطت أعصابها ولو قليلاً، إذ أن هناك ضرورة للجم كلاب الحرب التي أطلقتها الرأسمالية الأميركية النفاثة ، إن أميركا أصبح لديها جيش خطر من المفكرين الذين احترفوا تهييج القوة الأميركية واستشارتها حتى تندفع أبعد, كل يوم, على طريق الحرب . إن هؤلاء الناس وضعوا لأميركا أجندة وجدول أعمال يتضمن الآن خطة لتغيير الشرق الأوسط كله، وفيما هو واضح فإن الرأسمالية الأميركية تمول وتدعم هذه المؤسسات الفكرية التي ضلت طريقها، وجنحت إلى الإصرار على تطبيق النظام الرأسمالي حتى في عوالم الفضاء الخارجي، ثم ينتظرون أن يصفق العالم لهذا الجنوح الأميركي المجنون المتحصن في دبابات الفكر الجديد”. وتتابع “الإيكونوميست” في افتتاحيتها: “أن أحدا لم يعد في مقدوره أن يناقش أن هذه المراكز أصبحت بذاتها حكومة الظل في أميركا، بل وتأكد أنها الحكومة الخفية الحقيقية التي تصوغ القرار السياسي وتكتبه، ثم تترك مهمة التوقيع عليه للرئيس ومعاونيه الكبار في الإدارة وفي المقابل لا تكتفي هذه المؤسسات بصناعة الاستراتيجيات  بل تتجه نحو صياغة العقول عبر الهيمنة على الإعلام من خلال شركات ومؤسسات إعلامية عملاقة فالولايات المتحدة تتحكم بحوالي 80 بالمائة من الصور المبثوثة في العالم ، وداخل الاتحاد الأوروبي تمثل نسبة الأفلام الأميركية المعروضة 75 في المائة مما يعرض في دور 53 فى المائة من المواد المقدمة في قنوات التلفزيون الأوروبية البالغ العرض، فيما نجد  عددها حوالي خمسين قناة، غير القنوات المشفرة، هي مواد أميركية أيضاً، كما تهيمن على قطاع الأخبار والمعلومات المتداولة، فالاسوشيتد برس الأميركية تزود بالأنباء والصور ما يناهز 1600 صحيفة يومية و5900 محطة للراديو والتلفزيون في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى أن 90 في المائة من مواقع شبكة الانترنت هي مواقع أميركية، كل هذه العوامل تسهم في تعميم وتسويق الأفكار الأميركية ، بل تنشر بنشاط النموذج الأميركي لنمط العيش في مختلف أنحاء العالم ،  إذن ثمة مربع ذهبي تلعب الهيمنة الأميركية ومشروعها الإمبراطوري لعبتها بين أضلاعه وهو: الإنجيليون الجدد، المحافظون الجدد، التحالف الصناعي العسكري، الإعلام المعولم، وهو مربع يبدأ بالترويج الأيديولوجي ثم برسم السياسيات والبرامج ووضعها موضع التنفيذ عبر تكامل المصالح بين الرأسمالية الأميركية المتوحشة وصناعة السلاح والسيطرة على مصادر الطاقة، يغطي كل ذلك قدرة إعلامية عابرة للقارات قادرة على اختراق العقول والترويج للمشاريع العدوانية الجديدة  ، كنوع من تسييد الاستعمار الفكرى الأمريكى الصهيونى .

موضوعات تهمك:

يد “إسرائيل” الخفية تحرك الحملة ضد جيريمي كوربين؟!

الهيمنة الأمريكية مازالت حقيقة مستمرة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة