“الحدود” تقطع صلة الرحم بين المغاربة والجزائريين

الساعة 254 نوفمبر 2022آخر تحديث :
صلة الرحم

لا تزال الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994 بعد تفجيرات فندق “أطلس أسني” بمراكش، عندما فرض الملك الراحل الحسن الثاني التأشيرة على الجزائريين لدخول البلاد، مما دفع الجزائر حينها إلى غلق الحدود البرية بين البلدين، كما تكرس هذا التوتر بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

توجد منطقة “بين الجراف” بين هضبتين الأولى تقع في المغرب والأخيرة بالجزائر، وذلك في وادي كيس أقصى شمال غربي الجزائر غير بعيد من الشرق المغربي، يفد إليها مواطنو البلدين يتبادلون التحايا بالأيادي والإشارات وأيضاً العبارات بالصياح.

الأكثر تضرراً من هذه الوضعية غير الطبيعية هم سكان الحدود، إذ كانت تبعات إغلاق الحدود وقطع العلاقات كارثية عليهم، كما عقدت من مأمورية تواصلهم، فمعاناتهم مضاعفة باعتبار علاقات المصاهرة وعلاقات التعاون على مستوى تدبير المجالات الفلاحية والتجارية والاقتصادية.

“هذه العائلات تتطلع إلى غد أفضل، وطي الخلافات الثنائية التي لا تعكس مطلقاً إرادة الشعوب ومصالحها الاستراتيجية في زمن يقتضي التنسيق والتعاون واليقظة لمواجهة أخطار وتحديات الأزمات العابرة للحدود التي لا تستثني أحداً وتستهدف الجميع”.

* * * *

في وقت تشرئب فيه أعناق عديد من العرب نحو نتائج ومخرجات القمة العربية المقامة بالجزائر بأمل لم “الشمل العربي”، فإن عائلات مغربية وجزائرية تجمع بينها علاقات مصاهرة وصلات رحم تنشد فقط فتح الحدود البرية المغلقة بين البلدين الجارين.

ولا تزال الحدود بين المغرب والجزائر مغلقة منذ عام 1994 بعد تفجيرات فندق “أطلس أسني” بمراكش، عندما فرض الملك الراحل الحسن الثاني التأشيرة على الجزائريين لدخول البلاد، مما دفع الجزائر حينها إلى غلق الحدود البرية بين البلدين، كما تكرس هذا التوتر بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

بين الجراف

وعلى رغم الواقع السياسي الذي يشير إلى استمرار إغلاق الحدود البرية بين المغرب والجزائر، فإن محمد بودرة رب أسرة يعيش بمدينة السعيدية شرق المغرب، لا يزال يحتفظ ببصيص أمل في أن يسمع يوماً قراراً بشأن إعادة فتح الحدود المغلقة.

يقول بودرة إن لديه علاقة مصاهرة مع عائلة تقطن في الجزائر، لكنه لا يمكن أن يلتقي بهم بسبب إغلاق الحدود البرية، مما يضطر أفراد أسرته إلى السفر في المناسبات الطارئة والملحة جواً من الدار البيضاء إلى الجزائر والعكس أيضاً.

أضاف “أنه في الغالب تلتقي الأسرتان عن بعد في منطقة (بين الجراف) الشهيرة التي يلتقي فيها مواطنون وأسر مغربية وجزائرية، يرى بعضهم بعضاً ويلوحون بأياديهم بعد أن يكونوا قد اتفقوا مسبقاً بالهاتف على نقطة الالتقاء”.

توجد منطقة “بين الجراف” بين هضبتين الأولى تقع في المغرب والأخيرة بالجزائر، وذلك في وادي كيس أقصى شمال غربي الجزائر غير بعيد من الشرق المغربي، يفد إليها مواطنو البلدين يتبادلون التحايا بالأيادي والإشارات وأيضاً العبارات بالصياح، حيث يفرق بين الضفتين خندق وأسلاك شائكة تمنع الالتقاء المباشر للعائلات والأفراد بين البلدين.

وكثيراً ما يشاهد مواطنون وعائلات من الجانبين يقفون في النقطة الحدودية الوحيدة التي تتيح الالتقاء “عن بعد” بين المغاربة والجزائريين، وهم يصدحون بعبارات الترحيب وتلهج ألسنتهم بالدعاء والسؤال عن الأحوال.

وتتحول بعض المشاهد في منطقة بين الجراف إلى “دراما” اجتماعية حزينة عندما لا يستطيع أفراد الأسرة الواحدة الالتقاء على رغم وجود بضعة أمتار تفرق بينهم، كما يردد بعضهم النشيد الوطني لكل من المغرب والجزائر ويلتحفون بالأعلام الوطنية، في مشاهد تضرب عرض الحائط بكل القرارات السياسية التي قطعت صلة الرحم بين الشعبين.

كلفة القطيعة

تخبرنا السيدة لكبيرة الزروالي، موظفة في شركة خاصة، أن العائلات التي تربطها روابط دم أو قرابة أو مصاهرة وغيرها من الوشائج الإنسانية الوطيدة هي أكبر من يعاني استمرار إغلاق الحدود، خصوصاً بين سكان المنطقة الشرقية للمملكة والغربية للجزائر.

تضيف “الأسر المغربية التي لديها عائلات تقطن في الجزائر تمر بالوضع نفسه لنظيرتها الجزائرية التي لها أقارب أو أصهار في المغرب، فتضطر إلى السفر للدار البيضاء بالنسبة إلى المغرب، ووهران بالنسبة إلى الجزائر لامتطاء الطائرة حتى يمكنهم الوصول إلى الجزائر جواً”.توضح “المشكلة في هذا الوضع أن هناك كلفة مادية باهظة لهذا السفر الإجباري، بسبب ارتفاع ثمن التذكرة ذهاباً وإياباً، ثم بسبب الوقت الكبير الذي تقطع الرحلة من الدار البيضاء المغربية إلى وهران الجزائري، ثم إلى مناطق أخرى حيث تقطن تلك الأسر.

وأوضحت السيدة أن “لها تجربة سيئة في هذا الصدد بعد أن توفيت شقيقتها المقيمة في الجزائر، فكان لزاماً عليها قطع مئات الكيلومترات جواً للوصول إلى حيث تسكن أسرة شقيقتها المتوفاة”، مضيفة أن “هذا الوضع كان بإمكانه ألا يكون لو تم فتح الحدود البرية أمام شعبي البلدين، أو على الأقل أمام الحالات الاستثنائية والطارئة أو لسكان المناطق الحدودية”.

تشويه المشترك

في هذا الصدد يقول إدريس لكريني، رئيس منظمة العمل المغاربي في تصريح خاص، “إن هاجس فتح الحدود المغلقة وإعادة العلاقات وإرساء علاقات طبيعية بين البلدين الجارين، هو حلم تتقاسمه جميع شعوب المنطقة المغاربية”.

وأفاد بأن “الإصرار على إغلاق الحدود البرية الذي تلاه قطع العلاقات من الجانب الجزائري أحبط كل هذه التطلعات والمطالب، خصوصاً مع انخراط مجموعة من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في تعميق الخلافات ونقلها من الطابع السياسي إلى المجتمعي والشعبي”.

وأوضح “بدأنا نلاحظ تزايداً كبيراً في الخطابات التي تكرس العداء وتورث الكراهية بين الشعوب في تنكر للمشترك الذي يجمع الشعبين على مستوى مواجهة الاحتلال الأجنبي في سنوات خلت، والمشترك التاريخي والحضاري. وأبدى أسفه من وجود نوع من الإصرار على تشويه هذا المشترك الحضاري والتاريخي بين البلدين الجارين، وإدخاله في متاهات سياسية خطرة، وإقحامه في صراعات تكرس الفرقة والخلافات”.

معاناة سكان الحدود

وأردف لكريني بأن الأكثر تضرراً من هذه الوضعية غير الطبيعية هم سكان الحدود، إذ كانت تبعات إغلاق الحدود وقطع العلاقات كارثية عليهم، كما عقدت من مأمورية تواصلهم، فمعاناتهم مضاعفة باعتبار علاقات المصاهرة وعلاقات التعاون على مستوى تدبير المجالات الفلاحية والتجارية والاقتصادية.

وتابع “طموح هذه الأسر وتطلعاتها إلى فتح الحدود وإعادة الأمور إلى نصابها قوي ومشروع، مما يدفع إلى ضرورة التعامل مع ساكنة الحدود بمنطق استثنائي يأخذ في الاعتبار الروابط العائلية والاجتماعية والمصالح التي تربط بين هذه العائلات”.

وخلص لكريني إلى أن “هذه العائلات تتطلع إلى غد أفضل، وطي الخلافات الثنائية التي لا تعكس مطلقاً إرادة الشعوب ومصالحها الاستراتيجية في زمن يقتضي التنسيق والتعاون واليقظة لمواجهة أخطار وتحديات الأزمات العابرة للحدود التي لا تستثني أحداً وتستهدف الجميع”.

المصدر: إندبندنت عربية

موضوعات تهمك:

قمة الجزائر: هل سيغادر العرب منطقة الشعارات؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة