الجيش السوداني بين دوائر الانقلابات وانسداد الآفاق

محمود زين الدين27 أكتوبر 2022آخر تحديث :
الجيش السوداني

تمسك جنرالات السودان بالسلطة رغم ما يدفعه شعب السودان من دمائه وخبزه ودوائه وخدمات الحد الأدنى واستفحال الغلاء وانهيار العملة.
جدير بالسلطات العسكرية في السودان أن تحتكم سريعاً إلى العقل وتتبصر في مخاطر استمرار هذا النهج من التعطيل والتعليق وإدامة الاستعصاء.
وراء استمرار مشكلات البلاد وانسداد الحلول وتفاقم الأزمات تعنت الجيش والنكث بتعهداته بإعادة الحكم لإئتلافات مدنية تلبي الاستحقاقات الدستورية.
لا يكاد شعب السودان يطوي أزمة أو صراعا عنيفا أو انقلابا أو تعليق المواثيق، حتى تعصف به كوارث طبيعية أو مذابح قبلية ومئات القتلى ونزوح وخراب ودمار.
* * *
في 11 نيسان/ أبريل 2019، تمكنت انتفاضة الشعب السوداني من إجبار الجيش على تنحية عمر البشير والتوافق مع المكونات المدنية على إطلاق مرحلة انتقالية تشهد تقاسم السلطة بين الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقَّعت مع الحكومة اتفاقية سلام، تنتهي إلى إجراء انتخابات مطلع 2024.
ومنذئذ وحتى الساعة لا يكاد شعب السودان يطوي أزمة أو صراعاً عنيفاً أو انقلاباً أو تعليقاً للمواثيق، حتى تعصف به كوارث طبيعية أو يندلع قتال عنيف بين بعض قبائله يسفر عن مئات القتلى وآلاف النازحين ومظاهر خراب ودمار.
وأمّا السبب الأكبر وراء استمرار مشكلات البلاد وما يترافق معها من انسداد الحلول وإضافة المزيد من التعقيدات، فإنه تعنت الجيش وعدم الوفاء بتعهداته لجهة إعادة الحكم إلى ائتلافات مدنية متفق عليها تتولى المضي تدريجياً في تلبية الاستحقاقات الدستورية، وتمسك جنرالات السودان بالسلطة أياً كانت الأثمان التي يدفعها شعب السودان من دمائه وخبزه ودوائه وخدمات الحد الأدنى واستفحال الغلاء وهبوط العملة الوطنية.
وقد تقلب الجيش من عقد اتفاق مع رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، إلى التنصل منه بعد أشهر قليلة عبر انقلاب تضمن تعليق عدد من مواد الوثيقة الدستورية التي تنظم العلاقة بين الجيش والمدنيين، وترسيخ فراغ دستوري وحكومي بسبب العجز عن تشكيل حكومة جديدة، واشتعال الشارع الشعبي بمظاهرات احتجاج ضد تسلط العسكر.
وزاد في تدهور هذا المشهد المحفوف أصلاً بالمخاطر أن السلطات أفرجت عن متهمين بجرائم قتل المتظاهرين منذ انطلاق الانتفاضة أواخر العام 2018، وكان بينهم عدد ممن سبق للقضاء أن أصدر بحقهم أحكاماً بعضها يبلغ الإعدام.
وقبل أشهر قليلة عانى السودان من سلسلة فيضانات وسيول كارثية أصابت 16 ولاية من أصل 18، أودت بحياة عشرات المواطنين، وتسببت في انهيار آلاف المساكن وتخريب مساحات واسعة من الحقول والمزارع.
وفي هذه الأيام تتسع دوائر العنف الأهلي والصراعات القبلية في إقليم النيل الأزرق جنوبي السودان، فيسقط مئات القتلى وينزح عشرات الآلاف وتتعطل الحياة نتيجة إعلان حالة الطوارئ.
كلّ هذا والسلطات العسكرية منشغلة بالمناورات الداخلية وعمليات الالتفاف حول حلول تقترحها جهات محلية سودانية، وأخرى دولية على رأسها دول الترويكا واللجنة الرباعية الدولية والآلية الثلاثية المكونة من البعثة الأممية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية.
وجدير بالسلطات العسكرية في السودان أن تحتكم سريعاً إلى العقل وتتبصر في مخاطر استمرار هذا النهج من التعطيل والتعليق وإدامة الاستعصاء، وثمة أمامها الكثير من المبادرات البناءة التي طُرحت في السابق وما تزال صلاحيتها قائمة اليوم أيضاً، لعل أبرزها مقترحات الحل الذي طرحته لجنة تسيير نقابة المحامين السودانيين في صيغة «مشروع الدستور الانتقالي للعام 2022».
وهذه تشمل إصلاحات عسكرية وأمنية تعيد الجيش إلى الثكنات وتبعده عن السياسة والتدخل في الاقتصاد والمجتمع، كما تتكفل بإرساء العلاقة بين السلطات العسكرية والمدنية على أسس سليمة ودستورية.
وسوى ذلك فإن الجيش سوف ينخرط أكثر فأكثر في الانقلابات، وانسداد الآفاق، ومضاعفة المآزق والأخطار.

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

إشكالية الإعلام التوعوي العربي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة