التطرف في إسبانيا بين استئناف العمل من السجون وإيقاظ الخلايا النائمة

محمود19 يونيو 2020آخر تحديث :
التطرف في إسبانيا بين استئناف العمل من السجون وإيقاظ الخلايا النائمة

قال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إنه في ظلّ تصاعد حدّة فيروس كورونا في البلدان الأوروبيّة، ما زالت التنظيمات الإرهابيّة تحاول فرض سيطرتها بالقوة عبر منصّات التواصل الاجتماعي ضمن ما يسمى بـ”الخلافة الافتراضيّة” التي تهدف إلى تجنيد أكبر عدد ممكن من الأوروبيين.

وفي هذا السياق استغلت التنظيمات الإرهابيّة فترة العزل الصحيّ الذي تفرضه معظم دول العالم للحدِّ من انتشار الفيروس، وأخذت تكثّف أنشطتها الدعائيّة خاصة عبر تطبيق “تليجرام” الذي سجَّل خلال الفترة الأخيرة زيادة كبيرة في عدد من القنوات التابعة للتنظيمات الإرهابيّة التي تبثّ من خلالها العديد من الإعلانات لزيادة أعداد المنضمين إليها وتحقيق أهدافها الخبيثة.

ويلفتنا هذا الأمر إلى واقع جديد تفرضه الظروف العالميّة على التنظيمات الإرهابيّة عمومًا، وعلى تنظيم “داعش” الإرهابي بشكل خاص. ويتلخص هذا الوضع الجديد في “إعادة إحياء” استراتيجيات الدعاية والترويج وتنفيذ مخططاتها الإرهابيّة.

استراتيجية تفعيل العمل في السجون

إحدى هذه الاستراتيجيات هي تفعيل العمل في السجون، واستئناف مخطط استقطاب السجناء، وهو المشروع الذي واجهته السلطات الأمنيّة في إسبانيا -ولا تزال- منذ سنوات، كواحد من أخطر مخططات “داعش” وأكثرها خبثًا. وقد وردت أخبار مؤخرًا عن طلب المحكمة الوطنيّة فتح التحقيقات لمحاكمة ثمانية أعضاء بخلية متطرفة تعمل من “سجن مدريد الثالث” لتجنيد أعضاء جدد وإقناعهم بالقيام بأعمال إرهابية عندما يُطلق سراحهم.
وتمكّن فريق التحقيق من العثور على محادثات هاتفيّة بين بعض نزلاء السجن مع أشخاص من خارج السجن، فضلًا عن مقاطع فيديو وصور لمحتوى متطرف وأدلة أخرى أثبتت لفريق التحقيق أن السجناء كانت لديهم هواتف استخدموها للاتصال بالإنترنت وفي خدمات الرسائل المشفّرة، بفضل تعاون أحد العاملين بالسجن، وقالت التحقيقات إنه تلقى منهم رشوة قدرها ستة آلاف يورو.
وإذا تساءلنا: لماذا السجناء؟ ما نلبث أن نضع أيدينا على الإجابة المنطقيّة؛ فاستقطاب السجناء خطوة سهلة لتلك التنظيمات التي تلعب على وتر المشاعر التي تتركّز في الإحساس بالظلم وتدفع الضحية إلى كراهية المجتمع، وتملأ أذنه وعقله بفكرة الخلافة والدولة التي لا يُظلم لديها أحد، وكلها أساليب معروفة لا تنطلي إلا على ضعاف النفوس.

استراتيجية إيقاظ الخلايا النائمة

وهناك استراتيجية أخرى سلكَ التنظيم طريقها منذ مدة طويلة، لكنه الآن يجد نفسه مضطرًا لاتّباعها وهي إيقاظ الخلايا النائمة، وتكرّرت في الآونة الأخيرة اعتقالات لخلايا نائمة وأشخاص مناصرين لتنظيم “داعش” الإرهابي، يظهرون تعاطفهم له على الصفحات الاجتماعيّة.
وفي هذا السياق قضت المحكمة الوطنيّة الإسبانيّة في مايو المنصرم بسجن مواطن أبدى دعمه وتعاطفه لتنظيم “داعش” الإرهابيّ على مدار شهور عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ المختلفة من خلال منشورات تُمجد الأنشطة الإرهابيّة للتنظيم. وعبر حسابه الشخصيّ على موقع التواصل الاجتماعيّ “تويتر” أطلق المتهم العديد من التغريدات التي تحضُّ على العنف على مدار ما يقرب من عامين حتى ألقى الحرس الوطنيّ القبض عليه؛ وبناء عليه قضت المحكمة الوطنيّة بسجنه لمدة ستة أشهر بتهمة تمجيد الإرهاب.
كانت المحكمة الوطنيّة قد بدأت التحقيق مع عنصر أجنبي أُلقي القبض عليه في مدينة “برشلونة” يُشتبه في أنه كان يعتزم ارتكاب عمل إرهابيّ بالمدينة.
وذكر الحرس المدنيّ الإسبانيّ في مذكرة الاعتقال أن المشتبه به قد “خالف شروط حالة الطوارئ” إذ كان هناك “ما يفيد تطرّفه وانجذابه إلى أفكار تنظيم داعش منذ أربع سنوات على الأقل”. إلا إنه في الأسابيع القليلة الماضيّة، قد زادت حدّة إشادته بأفكار تنظيم “داعش” الإرهابيّ. وقد افترضت الشرطة المدنيّة وجود صلة بين حدّة نشاط المشتبه به من جهة وتحريضات تنظيم “داعش” الإرهابي الأخيرة لـ “الذئاب المنفردة”؛ لتنفيذ أعمال إرهابية في الغرب. كما ذكرت صحيفة “لا راثون” بأن المشتبه به لديه هوس للقيام بأعمال ذبّح للمدنيين في الشوارع، وهي ما دعا التنظيم إليها نصًّا في رسائله الأخيرة.
وعلى أيَّة حال، فإن “الذئاب المنفردة” تمثل عنصرًا مهمًّا للتنظيمات الإرهابيّة، كونها تستطيع تنفيذ عمليات سريعة دون تكلفة ماليّة أو لوجستيّة تُذكر، وهو ما يجعل التنظيمات تعوّل عليها كاستراتيجية مستحدثة، لا سيّما بعد توقف التمويل بشكل كبير، وهو ما أشارت إليه تقارير حديثة وأخبار تتابع نشاط التنظيم الإرهابيّ في أوروبا.
والحقيقة أن هناك سببين لتوقف التمويل الماليّ لـ “داعش” في إسبانيا تحديدًا، أولهما: المراقبة الأمنيّة المستمرة لعمليات تحويل الأموال، والتحديد السريع لخلايا وأشخاصٍ وجهاتٍ موّلت التنظيمات المتطرّفة ماليًّا ولوجستيًّا وتقديمهم للمحاكمة. وقد تفوّقت إسبانيا في هذا الجانب أيضًا منذ سنوات، تزامنًا مع تفوقها في ضبط العناصر والخلايا الإرهابيّة في الداخل.
أمَّا السبب الثاني: فهو حركة الكساد والاضطراب الماليّ الذي سبَّب توقفًا لكثير من الأنشطة الإرهابيّة وعلى رأسها تمويل الجماعات المسلحة. وقد لاحظ مرصد الأزهر لمكافحة التطرف من خلال متابعته الحثيثة للأنشطة الإرهابيّة لتنظيم “داعش” أن التنظيم توقّف منذ فترة عن الاستقطاب الماليّ، الذي كان يتبعه في بداية ظهوره، ما يعني جفاف الكثير من منابع تمويله، وهو الأمر الذي يعزوه مرصد الأزهر إلى الجهود الأمنيّة المركّزة في هذا الجانب.
ومما تقدم، يرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن الظروف العالميّة في الوقت الحالي ستؤثر على استراتيجيات الجماعات المتطرفة، وهو ما سينعكس على أهداف تلك الجماعات وآليات إدارة أنشطتها في القريب العاجل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة