التضخم بين 1980 و2022

محمود زين الدين20 أغسطس 2022آخر تحديث :
التضخم

التضخم اليوم أقل مما كان قبل 42 عاماً لكن ليس أقل كثيراً وخفض التضخم في ثمانينيات القرن الماضي كان عملية مؤلمة.
السؤال الحقيقي يتعلق بمدى صعوبة خفض هذا التضخم الأساسي، أي مدى احتياجنا للتعرض لركود ممتد مثل ذاك الذي مررنا به في الثمانينيات.
حتى السيناريو المتفائل لا يزال يحتاج تهدئة الاقتصاد الأميركي برفع أسعار الفائدة. وإذا كان هناك اقتصاديون يعتقدون أن مشكلة التضخم حُلت بالفعل فلستُ أحدهم.
أحد أكثر المفاهيم صموداً في الاقتصاد الكلي التمييز بين تضخم عام وتضخم أساسي يستبعد أسعار البضائع شديدة التقلب ويستثني الحساب التقليدي للتضخم الأساسي الغذاء والطاقة.
* * *

بقلم: د. بول كروغمان
لقد كان أسبوعاً جيداً على جبهة التضخم. أولاً، كان لدينا شهر ظل فيه مؤشر أسعار المستهلك ثابتاً، أي أن يوليو شهد معدل تضخم صفرياً. ثم رأينا انخفاضاً فعلياً في مؤشر أسعار المنتجين. وبطبيعة الحال، هناك الكثير من المعارضة للأخبار السارة.
ورأيت تحذيرات كثيرة ضد تصديق الذين يزعمون أن مشكلة التضخم قد تم حلها. ولا أعرف من عساه أن يدلي بهذا الادعاء. فكل خبير اقتصادي أعرفه يعتقد أن أميركا مازالت تعاني من ارتفاع التضخم الأساسي.
والسؤال الحقيقي يتعلق بمدى صعوبة خفض هذا التضخم الأساسي، أي مدى احتياجنا للتعرض لركود ممتد مثل ذاك الذي مررنا به في الثمانينيات. والإجابة على هذا السؤال تعتمد كثيراً على مدى اعتقاد المرء أن وضعنا الحالي يشبه ما حدث عام 1980.
فيما يتعلق بالأخبار السارة، فأحد أكثر المفاهيم صموداً ونجاحاً في الاقتصاد الكلي هو التمييز بين التضخم العام والتضخم «الأساسي» الذي يستبعد أسعار السلع شديدة التقلب. ويستثني الحساب التقليدي للتضخم الأساسي الغذاء والطاقة.
وتم التشكيك في هذا الحساب نظراً للاضطرابات الغريبة وتحركات الأسعار التي رأيناها في عصر كوفيد-19، لكن المقياس التقليدي أصبح منطقياً اليوم. وحتى يوليو الماضي، كانت المعدلات الرئيسية تتخطى معدلات التضخم الأساسية بدرجة ما.
والآن، مع انخفاض أسعار البنزين، وتراجع مشكلات سلسلة التوريد وغيرها من المشكلات، نرى هذا الاختلاف يتراجع. ومن المرجح أن تكون النتيجة عدة أشهر، على الأقل، من التضخم المنخفض نسبياً.
لكن يظل التضخم الأساسي مرتفعاً، كما قلت، على الأقل وفقاً لمعايير الثلاثين عاماً الماضية أو نحو ذلك. وهناك تقديرات متنافسة كثيرة لهذا المعدل الأساسي، لكنها تتراوح بين 4% و5%، مقارنة مع هدف الاحتياطي الفيدرالي للتضخم البالغ 2%.
فما مدى صعوبة تحقيق هذا الهدف؟ المرة السابقة التي رأينا فيها معدلات تضخم بهذا الارتفاع كانت في بداية الثمانينيات. والمقارنات بين البيانات آنذاك والآن صعبة بعض الشيء، لأن مكتب إحصاءات العمل قد غير الطريقة التي يقدر بها التضخم.
لكنها أنتجت تقديرات لمعدلات التضخم كان من الممكن تسجيلها في الماضي لو استُخدمت الأساليب الحديثة. وإذا قارنا تقديرات عام 1980 بالتضخم الحديث، أي ما حدث خلال العام الماضي، فالتضخم اليوم أقل مما كان عليه قبل 42 عاماً، لكن ليس أقل كثيراً.
وخفض التضخم في ثمانينيات القرن الماضي كان عملية مؤلمة. وهناك ميل إلى النظرة الوردية لاقتصاد حقبة ريغان، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن المحافظين أمضوا عقوداً في تمجيده.
لكن الحقيقة هي أن أميركا مرت بفترة طويلة من البطالة المرتفعة للغاية بعد أن بدأ الاحتياطي الاتحادي في اتخاذ إجراءات صارمة ضد التضخم.
ورغم ذلك لم تفلح كل هذه البطالة في خفض التضخم إلى 2%. وفي ثمانينيات القرن الماضي، رضي الاحتياطي الاتحادي باستقرار التضخم عند نحو 4%. لذا فنحن نواجه الآن الحاجة إلى تحقيق معدل تضخم مماثل لما صممه بول فولكر.
فلماذا نتخيل أن هذه المرة ستكون أسهل؟ تعود الإجابة إلى أن معظم الاقتصاديين يعتقدون أن التضخم كان صعباً للغاية في الثمانينيات. وفي ذاك الوقت، توقع الجميع تضخماً مرتفعاً إلى الأبد.
وتم تحديد الأجور والأسعار بناء على هذا التوقع، ولذا أصبح التضخم ذاتي الاستدامة. وتطلبت عملية التخلص من التضخم الضغط على الاقتصاد بشدة ولفترة كافية لكسر دورة الاستدامة الذاتية.
صحيح أن التضخم الفعلي الآن ليس مختلفاً تماماً فيما يبدو عما كان عليه في الثمانينيات، فالتوقعات بشأن التضخم المستقبلي تبدو مختلفة جداً في الواقع.
وفي ذاك الوقت، توقع الجمهور تضخماً بنسبة 10% تقريباً إلى الأبد.
واليوم، يتوقع الجمهور أن يرتفع التضخم إلى حد ما في المدى القريب، لكنه سينخفض إلى المستويات الطبيعية قريباً. وتصور المتنبئين الاقتصاديين المحترفين مشابه لذلك.
وفي أوائل الثمانينيات، توقع المتنبئون الأكثر مصداقية تضخماً بنسبة 8% تقريباً على مدى السنوات العشر القادمة. وهؤلاء يتوقعون الآن تضخماً يقل عن 3%، وتتوقع الأسواق المالية تضخماً يقل عن 2.5%.
وقد يتساءل المرء عن سبب الارتفاع الكبير للتضخم الفعلي، إذا كان التضخم المتوقع منخفضاً. والجواب على الأرجح هو أن الاقتصاد الأميركي في الوقت الحالي ربما يمكن وصفه بأنه مصاب بالحمى بطريقة لم يشهدها عام 1980. وإذا صح هذا، يتطلب خفض التضخم تهدئة سخونة الاقتصاد، وليس دفعه نحو ركود ممتد.
وهذا هو الشأن فيما يتعلق بقول إن 2022 ليست 1980. أيجب أن نصدق ذلك؟ حسناً، هذه القصة المتفائلة نسبياً لم يتم إعدادها على الفور للتقليل من أهمية مشاكلنا، بل تعتمد بشكل مباشر على النماذج الاقتصادية القياسية.
وتجربتي الخاصة هي أنه حين أرتكب أخطاء كبيرة في التنبؤ، فعادة ما يكون ذلك لأنني قررت أن النماذج القياسية لن تنطبق، ثم يباغتني أن أجدها صالحة للتطبيق. ولذلك أؤمن بسيناريو تضخم متفائل (نسبياً) فيما أعتقد.
لكن حتى هذا السيناريو المتفائل لا يزال يتضمن الحاجة لتهدئة الاقتصاد الأميركي من خلال رفع أسعار الفائدة. ولذا، إذا كان هناك اقتصاديون يعتقدون حقاً أن مشكلة التضخم قد تم حلها بالفعل، فأنا لست واحداً منهم.

* د. بول كروغمان كاتب وأكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل للاقتصاد.

المصدر: نيويورك تايمز

موضوعات تهمك:

حرب الطاقة: الغرب يفقد ريادته

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة