الأكراد والقرار الأمريكي

محمود زين الدين31 ديسمبر 2018آخر تحديث :
تركيا

الأكراد والقرار الأمريكي

  • لا يمكن الرهان على أمريكا فهي تتخلى عن حلفائها إن كان ذلك في مصلحتها والأكراد اليوم يدفعون ثمن ثقتهم بواشنطن.
  • تركيا مرشحة لتكون الرابح الأكبر لكن المؤشرات تفيد أن نزاعا حادا قد يندلع بين القوى الأخرى على مستقبل هذا الإقليم.
  • هل ستترك سوريا لتركيا فرصة السيطرة على نسبة عالية من أراضيها بحجة محاربة الإرهاب؟ أم أن تعاونا بين الطرفين سيصب في صالحهما في نهاية الأمر؟

 

بقلم: حسن البراري

ما من شك أن أكراد سوريا هم الخاسر الأبرز لقرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، فوحدات الحماية الكردية التي خاضت حرب طرد داعش كتفا إلى كتف مع الجيش الأمريكي أصبحت بين ليلة وضحاها من دون غطاء أي أن مستقبل الكيان الكردي أصبح في مهب الريح.

ولعل تركيا هي الرابح الأبرز لأن بوسعها الآن ضمان أن لا تتحول منطقة الأكراد إلى منصة لانطلاق الهجمات ضد الدولة التركية، ناهيك عن حقيقة أن القيادات الإيرانية والروسية تنفستا الصعداء بعد قرار ترامب الأخير.

المقلق حقا بالنسبة لأكراد سوريا أن قرار ترامب الذي فاجأ الجميع تقريبا جاء بعد اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والمعروف أن أنقرة كانت تعارض بشدة دعم الولايات المتحدة لمن تصفهم بالإرهابيين الأكراد في سوريا.

وكان لموقف أمريكا الأثر الأكبر في توتير علاقة أنقرة بواشنطن في السنوات الثلاث الأخيرة. وعليه فإن ما يبدو وكأنه توافق أمريكي تركي لن يكون في أي حال من الأحوال لمصلحة النشطاء الأكراد الذين استغلوا الولايات المتحدة للاحتماء بها.

على الأرجح أن يفضي الانسحاب الأمريكي إلى فراغ أمني، وهذا بدوره سيقود إلى أحد السيناريوهين التاليين:

أولا، أن تقوم تركيا باجتياح المنطقة عسكريا بصرف النظر عن كلفة مثل هذا الاجتياح.

ثانيا، أن تتمكن قوات بشار الأسد من إحكام سيطرتها وقبضتها على الإقليم الكردي، بمعنى أن الأكراد سيكونون بين مطرقة القرار الأمريكي المتسرع وسندان النظام السوري الذي يتصيد للأكراد في سياق سعي بشار الأسد لإعادة السيطرة الحكومية على كل شبر ممكن من الأراضي السورية.

وبعيدا عن أي قوة ستملأ الفراغ الأمني الناتج عقب الانسحاب الأمريكية المزمع، فإنه يمكن القول بإن حلم الأكراد في سوريا قد وصل نهايته إذا لا يمكن للأكراد تحقيق مزيد من المكتسبات بل هم مرشحون لدفع أثمان وكلف مواقفهم السابقة.

فلأول مرة يمتلكون فرصة التعليم بلغتهم والاحتفال بالأعياد والمناسبات الخاصة بهم، لكن مرة أخرى اللعبة الإقليمية هي دوما أكبر من طموح الشعب الكردي في أن تكون له دولة مستقلة كما هي باقي الشعوب في منطقة الشرق الأوسط.

طبعا، تركيا مرشحة لتكون الرابح الأكبر، ومع ذلك ربما علينا ألا نستعجل الواقع، فالكثير من المؤشرات تفيد بأن نزاعا حادا قد يندلع بين القوى الأخرى على مستقبل هذا الإقليم.

فمثلا، هل ستترك سوريا لتركيا فرصة السيطرة على نسبة عالية من أراضيها بحجة محاربة الإرهاب؟ أم أن تعاونا بين الطرفين سيصب في صالحهما في نهاية الأمر؟

كما أن الانسحاب الأمريكي قد يكون محفزا لإيران لممارسة الكثير من التنمر ومحاولة الوصول إلى لبنان عبر سوريا. أسوق ذلك رغم أن الدول الإقليمية قد تختلف في أمور كثيرة لكن ليس من بينها حرمان الأكراد من ممارسة حقهم في تقرير المصير.

وربما يتذكر الجميع كيف اتفقت تركيا وإيران ضد أكراد العراق بعد أن قاموا بإجراء استفتاء لإعلان الاستقلال عن العراق!

ربما الدرس المستفاد من كل ما يجري هو أنه لا يمكن الرهان على الولايات المتحدة، فهي لا تمانع من التخلي عن حلفائها إن كان ذلك يصب في مصلحتها.

والأكراد اليوم يدفعون ثمن ثقتهم المطلقة بواشنطن وقاموا بالمساهمة في تحرير البلاد من داعش أملا في أن تدافع عنهم الولايات المتحدة غير أنهم تلقوا طعنة في الخلف لا نعرف كيف سيردونها أو إن كان سيفكرون في ردها.

* د. حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأردنية

 

المصدر: الشرق – الدوحة

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة