الأردن: كيف نتجنب «الملاكمة» مع إيران؟

محمود زين الدين17 يونيو 2022آخر تحديث :
الأردن

الأردن مطالب طبعا ودوما بالبقاء خلف مؤسساته السيادية التي لا يجوز تسييس بوصلتها لكن في مربع الاجتهاد السياسي الجميع مطالب بالرشد والعقلانية.
مخاوف تبرز بعنوان عدم وجود مصلحة للأردن في مواجهة مع المجموعات الإيرانية والميليشيات مادامت بعيدة وفي مسافة أمان لازمة عن التدخل في الحدود الأردنية.
لا أحد يتخيل إكمال الأردن عضويته بنادي المشروع الإسرائيلي فطبيعة الأمور تقول إن عمّان بمرمى الخطر عند كيان محتل يؤمن بالتوسع وإقامة وطن بديل في الأردن،
لا مبرر للهلع عند أي طرف في الإقليم لخوض اختبار أمام الاحتراف الأردني في حال بروز أي طموح بعنوان إقحام الأردن في حلبة الملاكمة العالم بين قوى متجبرة كبرى وأخرى إقليمية لها مشاريع.
* * *

بقلم: بسام البدارين
لست مع المحذرين بتشدد وتطرف من عناصر ما يسميه البعض «إفراط الحماس» بلعبة «الدور الإقليمي» برفقة سيناريو التورط بالمستنقع السوري.
مخاوف أكثر تبرز تحت عنوان عدم وجود مصلحة للأردن في إعلان مواجهة من أي صنف مع المجموعات الإيرانية والميليشيات المسلحة مادامت تلتزم بقواعد اللعبة وتبقى بعيدة وفي مسافة أمان لازمة عن التدخل في الحدود الأردنية.
المؤسسة الأردنية خبيرة وعميقة وأغلب الظن أنها تقرأ الوقائع الميدانية بحكمة وحرص رغم النقص الحاد بوجود من يقرأ الواقع السياسي والدبلوماسي في المنطقة على صعيد الأدوات والرموز.
ورغم القناعة التي تترسخ أكثر بين الأردنيين عن صعوبة العثور على مفكر أو مثقف سياسي يعمل خلف أو أمام الستارة ضمن طاقم اليوم.
بكل حال لا يوجد مبرر للهلع عند أي طرف في الإقليم لخوض اختبار أمام الاحتراف الأردني في حال بروز أي طموح، وتحت أي عنوان لإقحام الأردن أرضا وشعبا وإدارة في مغامرات حلبة الملاكمة التي يشهدها العالم بين قوى متجبرة كبرى وأخرى إقليمية لها مشاريع.
لا أحد يتخيل إكمال الأردن لعضويته في نادي المشروع الإسرائيلي، فطبيعة الأمور تقول بوضوح إن عمان في مرمى الخطر عند كيان محتل يؤمن بالتوسع وبإقامة الوطن البديل في الأردن، والوقائع السردية حتى في الصف الرسمي تؤكد بأن المشروع الإسرائيلي مناقض تماما لوجود الأردن ولمشروعه ولمصالحه.
ذلك درس يفهمه الجميع اليوم وإن كانت تصر قلة من المغامرين على تجاهله. تحالفات الأردن الدولية والإقليمية مفهومة للجميع.
وعمان لا يمكنها أن تكون أيضا بحكم اعتبارات مفهومة عضوا في نادي المشروع الإيراني بالمنطقة، لكن تلك العضوية غير مطلوبة أصلا وقيمة الدبلوماسية الأردنية في الماضي كانت طوال الوقت مرتبطة بالقدرة على تأسيس سياسة «النأي بالنفس» والقدرة على التحدث مع جميع الأطراف بنفس الوقت.
كنا دوما نقول ونكرر بأن الجفاء الأردني مع المشروع الإقليمي التركي مثلا لا مبرر له والبقاء قرب الإسرائيلي «انتحار» والاقتراب ولو قليلا من الإيراني فيه بعض المكاسب.
قالها أمامي وهو يبتسم رئيس وزراء أسبق: ثمة مكان في الجغرافيا السياسية طبيعي للأردن دوما يناسبه وينسجم مع مصالحه.
سألت: ما هي ملامح هذا المكان الطبيعي؟
كانت الإجابة واضحة: الأردن في الجيوسياسي ينبغي أن تكون علاقاته ممتازة مع العراق وسوريا ومصر ومنظومة دول الخليج، وينبغي أن لا ينام في غرفة واحدة مع الإيراني ويمكنه مجالسة التركي في صالون المنزل مع الاحتفاظ بالحذر.
إجابة ممتعة الى حد ما وتسقط «الخطر الإسرائيلي».. واقع الأمور اليوم يشير إلى أن العلاقات في تلك الجبهة الآمنة يبدو أنها متصدعة ومتضررة أو غير مفيدة. ولا أحد يطالب الأردن الرسمي بمغادرة موقع تحالفاته الكلاسيكية.
لكن لا أحد بالمقابل ينبغي أن يطالب بلادنا بالانضمام إلى محور ضد آخر ميدانيا، وما يثير الغموض والارتياب اليوم هي تلك الاجتهادات التي تظهر في الإعلام ووسط بعض السياسيين في سياق التحذير من المخاطر الإيرانية أو في سياق التحريض على ما يسمى بالميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية في سوريا ودون وجود أدلة حقيقية على خطط تستهدف الأردنيين.
ذلك أبغض الحلال اليوم والمحاولة مكشوفة للنفخ في هذا التحريض حتى يندفع القرار السياسي إلى معادلة تتجاوز دبلوماسية النأي بالنفس نحو التحريض وإعادة ترسيم صورة خصم جديد للأردن، مع أن العدو الوحيد الواضح المحدد هو إسرائيل التي تعبث بكل الأطباق الأردنية.
عملية النفخ في ذلك السيناريو وسط سياسيين وإعلاميين محليين لا يمكن إنكارها، والمحاولة مستمرة للاستثمار والتوظيف في مؤشرات حرب المخدرات التي يريد البعض تحويلها الى حرب سياسية مقصودة عبر الحدود مع سوريا، علما بأن المسألة قد تكون ناتجة عن كمية الأموال الهائلة التي تعود على مهربين يجازفون بحياتهم، وهم على الأرجح في أغلب الاحوال أصلا في حالة تعاطي للمخدرات.
الفارق كبير وواضح بين التورط وسياسة الحذر والتعامل بالقطعة والتقسيط والتنقيط وسط حقل ألغام الإقليم. لا مبرر للإفراط في التشكيك ولا مبرر للاستعجال في البحث عن دور إقليمي من أي نوع تحت ضغط التوقيت وأشباح التغيير في الإدارة الأمريكية.
المبررات بالجملة للحرص على الأردن فقط وأمنه واستقراره والبقاء في حالة جاهزية خلف مؤسساته لحمايته.
في مسألة الميليشيات والملف الإيراني لا بد من إجراء اتصالات مع الآخر، وعلى الزملاء الإعلاميين والمقامرين السياسيين وسط النخبة تعلم الدرس الاحترافي من المؤسسة العسكرية التي تتحدث عن تهريب مخدرات فقط حتى اللحظة.
الأردني مطالب طبعا ودوما بالبقاء خلف مؤسساته خصوصا تلك السيادية التي لا يجوز تسييس بوصلتها لكن في مربع الاجتهاد السياسي الجميع مطالب بالرشد والعقلانية، وتخفيف جرعات التحريض الميداني ضد دولة كبيرة مثل إيران ليس من السهل العبث معها.

* بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

الأردن ليس للبيع وفلسطين لا تنازل عنها

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة