إلهان عمر.. درس لا ينسى!

محمود زين الدين17 نوفمبر 2018آخر تحديث :
إلهان عمر

إلهان عمر.. درس لا ينسى!

  • كسر انتخاب إلهان عمر سردية أميركية متواترة من التمييز ضد المرأة المسلمة السمراء.
  • تمثل ابتسامة إلهان الحنون المشرقة حلمًا واعدًا يبعث الأمل في ديمقراطية تعدّدية تنصف المهمشين.
  • نجاحها الأبرز هو نقل معاركها الخاصة إلى معركةٍ تشمل جميع الفئات، معركة الخوف، التمييز، الظلم.

 

بقلم: سناء البنا

أيًا ما كان يحدث في ولايتي مينيسوتا وميشيغين، فهو بالتأكيد يعني الأمل.

في عالمٍ يعج بالمهاجرين من الحروب والتهجير والمذابح، وحيث تتصدّر معدلات العنف ضد اللاجئين قوائم الجرائم ضد البشر، حيث ينتظر القتل والسجون والتعذيب ملايين من المطاردين والمطرودين وضحايا القمع في مصر وسورية واليمن وغيرها، وحيث يسجل التاريخ أهوال الجرائم التي ارتكبت بحق النساء والأطفال والعزل، لملايين من المهاجرين في تركيا وغيرها من دول اللجوء، في هذا العالم، فوز إلهان عمر بمقعدٍ في مجلس النواب الأميركي يعني الكثير.

الأطفال الذين شرّدوا وعذبوا واقتيدوا إلى ساحات القتال، ليطلقوا سلاحًا ربما أثقل من أجسادهم، والفتيات اللواتي تم بيعهن، ولا يزال بيع مثلهن جاريا، كالرقيق، باسم الزواج في دول منكوبة بالحرب، أو بالجهل، أو حتى بكليهما، هناك في المستقبل أمل ووعد، ربما، يتحقق بحياة كريمة في بلدانهم أو في غيرها.

امرأة، ولاجئة لا تكاد تملك مقومات العيش، تنهي مراحل الدراسة بالاستدانة والعمل، وتصير أمًا لثلاثة أطفالٍ يكفي أن يشغل واحد منهم حياتها سنوات طويلة، لكنها تستطيع، مع ذلك كله، الانضمام إلى هيئة المشرعين في مدينتها، ثم تنتخبها غالبية السكان، لتمثل مصالح المجتمع في مجلس النواب.

المجتمع المضيف للمهاجرين ليس بالضرورة عائلًا لعالةٍ من الناس لا يفقهون حديثًا. والمهاجرون ليسوا لصوصًا، ولا شحاذّين بالضرورة، ولا ينتقصون من فرص العمل والدراسة

والكسب في السوق المحلي، بل يضيفون إليها، بما يملكون من إصرارٍ، على تجاوز كل العقبات والارتقاء بأسرهم ومجتمعاتهم المضيفة التي تمثل الحواضن الاجتماعية والسياسية لأطفالهم.

من بين اللاجئين من يخدم الناس بعمره، ويشعر بمعاناة الفقر والعوز، ويمثل، بحق، أضعف الفئات التي تضمها تلك المجتمعات. وإن الأيام دولٌ، وقد تدقّ طبول الحرب على الرؤوس في أي مكان، فيصيرون إلى ما صار إليه غيرهم، فالعالم أفضل إذا وسعنا جميعًا.

الديمقراطية التي تسمح للحكومات بتأميم حقوق النساء في ارتداء ما يرغبون، بدعوى الحفاظ على قيم “العلمانية”، منقوصة وصائية، لا تختلف في مضمونها عن الأنظمة الدينية المتسلطة التي تمارس الوصاية نفسها على جسد الفرد وأفكاره وقيمه. والسياسات العنصرية التي تمارس في الولايات المتحدة ضد المسلمين، تحت الإدارة الحالية، مورست سابقا ضد المجتمعات الكاثوليكية الإيرلندية واليهودية والصينية والأفارقة السود لا تحظى بقبول الكثيرين.

وفي الحين الذي لا تسعى فيه الإدارة الأميركية الحالية في حماية حقوق مواطنيها المعتقلين في مصر كونهم “متجنسين”، وبالتالي مواطنين من “الدرجة الثانية”، وحيث ترصد مراكز الأبحاث أكثر من ثلاثين واقعة للعنف ضد المهاجرين والمسلمين، منها ما ينشره ممثلو السلطة من تصريحاتٍ تميز ضد تلك الفئات في ولاية مينيسوتا نفسها التي انتخبت إلهان، يسعى المجتمع المحلي، في بعض مناطقه، إلى إنصاف تلك الفئات، وتأكيد مساواتهم مع سائر المواطنين.

نبذت الولايات المتحدة التمييز ضد اللون منذ عقود طويلة، لكنها لم تزل تميّز ضد المرأة المسلمة السمراء، وليس انتخاب إلهان سوى كسر لتلك السردية المتواترة.

ومهما كانت العوامل المخصصة، امرأة، مهاجرة، مسلمة، محجبة، سمراء، متوسطة التعليم، إلخ، فإن أبرز نجاح لإلهان هو قدرتها على تجاوز كل تلك المحدّدات، ومخاطبة المجتمع في عمومه، وبناء تحالفٍ بين أطيافه الواسعة من الجماعات النسوية إلى جماعات البيئة إلى المسؤولين إلى فئات الطلاب والعاملين، فضلاً عن مجتمعها المحلي الذي لا يتجاوز رقميًا عشرة في المئة من قرابة 5.6 ملايين في ولايتها.

نجاحها الأبرز هو نقل معاركها الشخصية الخاصة إلى معركةٍ تشمل جميع الفئات، معركة الخوف، التمييز، الظلم.

تمثل إلهان، ذات الابتسامة الحنون المشرقة، حلمًا واعدًا، وتبعث الأمل في ديمقراطية تعدّدية تنصف ملايين من المهمشين في مختلف البلدان.

* سناء البنا كاتبة وباحثة مصرية في الاجتماع السياسي

المصدر: العربي الجديد

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة