إعلام الأردن: أزمة مصداقية بين الخطابين الرسمي والشعبي

محمود زين الدين9 نوفمبر 2022آخر تحديث :
الأردن

البقاء في حالة استغراب وتذمر من سطوة منصات التواصل الاجتماعي على الأردنيين ليس هو الحل المناسب.
لا يمكن في الإعلام والسياسة إعداد طبق عجة بدون تكسير البيض ولا يمكن الاستمرار في الاستغراب من موقف الشارع والناس وتوقع نتائج مختلفة.
أن تستخدم السلطة نفس التقنيات والذهنيات والعقليات القديمة عندما لا يوجد مال حقيقي يضمن لقصة الدولة أو الحكم حضورا حقيقيا في الرواية والسردية فينبغي اللجوء لقواعد المهنة.
* * *

بقلم: بسام البدارين
ليس سرا أن الشارع الأردني لم يعد يصدق الإعلام الرسمي وحتى الخاص بشقيه الموجّه والمرعوب. قد لا يتوفر بعد الأن مسوغ حقيقي للاسترسال في صناعة إعلام من الصنف الموجّه والمنكوب فإعلام الدولة الذي تتحدث عنه خطة حكومية جديدة قد لا يجد ركابا للالتحاق بأي حافلة حكومية في النص.
والمواطن الأردني لم يعد يعبأ بكل حال وجراء أسباب مفهومة بالخطاب الرسمي… أنت لا تستطيع بطبيعة التكوين البشري أن تخضع لما لا تفهمه أو أن تتبنى ما لا تصدقه أصلا.
مرة أخرى قلناها في الماضي ونعيدها: لا يمكنك في الإعلام ولا في السياسة إعداد طبق عجة بدون تكسير البيض.
وقلناها ونعيدها أيضا: لا يمكنك الاستمرار في الاستغراب من موقف الشارع والناس وتوقع نتائج مختلفة وأن تستخدم كسلطة نفس التقنيات والذهنيات والعقليات القديمة وبالتالي عندما لا يوجد مال حقيقي يضمن لقصة الدولة أو الحكومة حضورا حقيقيا في الرواية والسردية كان ينبغي اللجوء لقواعد المهنة.
وعندما لا يتوفر المال وتسقط بيروقراطيا وتكنوقراطيا قواعد المهنية في بناء رواية رسمية يصبح الإعلام الموجّه غير محترم وسط الجمهور وشقيقه المرعوب لا يرعب أحدا.
نقول بتلك المقدمة ونحن نراقب مجددا ما لا يريد صناع القرار الحكومي الإقرار به ويشكل واقع الأمور والحال عمليا حيث مجسات المواطنين تلتقط الرواية وتعيد تغليف غبارها وتتبناها وأحيانا تنتجها من خارج معسكر الصف الرسمي فيما يقف الإعلام الرسمي بشقيه الحكومي والخاص عاجزا تماما وفي حالة شلل في مواجهة أطنان من إنتاج المواد الإعلامية بتلقائية شديدة.
وبالكثير من المنكهات والبهارات والمبالغات أحيانا إما عبر منصات التواصل الاجتماعي أو عبر البث الخارجي المسموم والذي يعمل من جهته بلا ضوابط لا مهنية ولا قانونية وبصيغة تجعل الفكرة متسللة ومنسابة وتخترق العقل الجمعي في المجتمع دون بناء رواية صلبة رسمية بالمقابل تحصل على حصتها ومساحتها.
البقاء في حالة استغراب وتذمر من سطوة منصات التواصل الاجتماعي على الأردنيين ليس هو الحل المناسب. والبقاء في حالة استهجان واستنكار مع ميول التقاط ما هو غث ورديء عند الجمهور لا يمكنه أن يشكل ولو الحد الأدنى من الخطة وبكل حال من المستحيل إعداد طبق العجة بدون تكسير بيض الإقرار بالوقائع كما هي وبدون إعادة الاعتبار للمهنية والمهنيين الذين يطاردون بيروقراطيا لا بل يتم إقصاؤهم وإبعادهم عن أي موقع في الاشتباك المهني الإعلامي.
نعم المصدر الأول للمعلومات عند الأردنيين هو البث المسموم لمعارضين في الخارج ثم منصات التواصل الاجتماعي. نعم الإصرار على إبعاد المهنيين عن صناعة الإعلام الرسمي فاتورته عالية ومرتفعة. نعم لا يمكنك صيد السمك بواسطة الحصاة.
ونعم: ثمة وثيقة مرجعية مهنية تجاوزت التشخيص في مسألة الإعلام الأردني ووضعت توصيات جريئة للحل والاحتواء والمعالجة موجودة اليوم لا بل مهملة في أدراج بعض مؤسسات القرار السيادي وكل ما يحتاجه الأمر فقط كخطوة أولى نفض الغبار عن تلك الوثيقة وإعادة تلاوة نصوصها بدلا من التركيز على ضبط إيقاع الإعلام البديل والجديد والاجتماعي بوسيلتين كلاسيكيتين لا يمكنهما المساعدة في الإنتاجية وهما:
أولا ـ العودة للتجريم القانوني وشروطه الجزائية على حساب مبدأ التعويض المدني.
وثانيا ـ الادعاء بالقدرة على إقناع الدول العربية الشقيقة بأن الأردن مبادر وخلاق في مجال مراقبة الشبكة بكل أصناف الرقابة.
الاعتراف بهوية المشكلة هو نصف الحل وإلا ستواجه الحكومة المزيد من الأزمات لأن الجمهور وبصراحة يعتمد تماما في معلوماته اليوم مرة على ميكروفونات معارضة خارجية ومرات على ما يبثه العدو الإسرائيلي أو بعض الأنظمة المعادية للأردن أو التي لا تحبه.
أزمة كبيرة جدا تدحرجت مؤخرا فيما سمي بقوة الواجب القطري جراء معلومة واحدة مضللة قالها معارض خارجي دفع أصلا دفعا للهجرة للخارج فيما قررت ماكينة الإعلام الرسمي أن لا ترد ولا توضح لا بل تمتنع عن سرد روايتها. غالبية الأزمات التي برزت مؤخرا تنتمي الى العائلة نفسها.
لكن المحرج الغريب والغامض هو إصرار عقل السلطات على تجاهل الوقائع والاستمرار في الادعاء بان أزمات المصداقية بين الخطابين الرسمي والشعبي يمكن معالجتها بالوصفات القديمة لا بل أحيانا بنفس الأدوات التي أنتجت الإشكالية.
طبعا الأردني بصراحة لم يعد مرعوبا والإعلام الموجّه لن ينجح إطلاقا في إلحاق ولو طفل واحد بأي حافلة يقودها الإعلام الرسمي اليوم.
والتخلص من هذه الحالة يتجاوز جرأة التشخيص في اتجاه عملية جراحية قد تطلب استئصال بعض العقائد البيروقراطية في إدارة الملف الإعلامي. تلك مقاربة ليست مستحيلة يا قوم بل ممكنة وهي بديل موضوعي منتج عن ذلك التزاحم في الإعلام التقليدي عند إقدام السلطة.
هي بديل أنجع من استمرار الادعاء بإمكانية ضبط الإعدادات والسيطرة فقط عبر تفعيل قوانين تراقب التعبير أو تعتبر سالبة للحريات وإذا لم نستدرك فسننعى قريبا جميعا «الإعلام المنكوب».

*بسام البدارين كاتب صحفي وإعلامي أردني

المصدر: القدس العربي

موضوعات تهمك:

كان وهماً ثم انجلى

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة