أي شرق أوسط ذاهب الى “جنيف ” ؟!

الساعة 259 يونيو 2013آخر تحديث :
MiddleEast-450-Syria 0

MiddleEast-450-Syria  0بقلم: د. نقولا زيدان

لم يكن مفاجئاً ما جاء على لسان السيد حسن نصرالله عندما أعلن بالفم الملآن أن معركة حزب الله في سوريا هي معركة مصير. تماماً كما

لم تكن مفاجئة قط لنا جميعاً مناورة محاولة تسويق مشروع قانون الانتخابات “الأرثوذكسي” التي أفضت الى فشله الذريع. وقبلها أيضاً لم تحدِث استقالة حكومة الميقاتي تلك المفاجئة الصورة المتوقعة ولا ذلك الاجماع اللغز الملتبس أثناء الاستشارات الملزمة بتكليف النائب تمام سلام بتشكيل حكومة جديدة. لقد ولّى زمن المفاجآت والصدمات الارتدادية، لأن الديموقراطية البرلمانية اللبنانية قد دخلت في حالة خطيرة من الغيبوبة السياسية، بل هناك ثمة من ينعاها لمرحلة ليست قصيرة على الاطلاق. أليس بيننا من يعتقد، وهو يردك في ما يقول الى شواهد وأدلة فيها الكثير من الصواب، ان هناك فريقاً أو طاقماً حاكماً يدير البلاد الآن الى أجل غير منظور.

إلا أن كل هذا الكم الهائل من الاهتراء والتعفن والاكراه والتسلط الذي يضرب الحياة السياسية ويفككها بل يمزقها أشلاء ونتفا لم يولد دفعة واحدة ولم تمطره السماء بل ثمة تراكم مديد متتابع انكب على العمل والسهر المضني الدقيق حتى رسم مواصفات وملامح هذا الطاقم كما جرى التحقق المسبق من تفصيلاته وثناياه… حتى نصل الى ما وصلنا إليه الآن.

علينا أن ندرك الآن انه منذ لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما تلاها من انتفاضة مذهلة ومدّ جماهيري هائل وما أعقبها من اغتيالات وتفجيرات كانت قوى الثورة المضادة في الحال قد بدأت تعيد تجميع قواها وتنظم صفوفها من جديد وتتوزع فيما بينها الأدوار وتستعيد أنفاسها لتعاود الهجوم المعاكس لتسترد المواقع التي فقدتها. وقد تطلب ذلك ثماني سنوات زاخرة حبلى بل متخمة بتلاحق الأحداث. ولسنا هنا بصدد اعادة قراءة المراحل التي قطعها لبنان منذ ذلك المنعطف التاريخي الطاغي لأنه حتى البسطاء من الناس يسردونها بل اللبناني العادي يعرفها معرفة اليقين، إلا أن الوعي الكامل لترابطها فيما بينها لضرورة قصوى والوصول بها الى اللحظة التاريخية الراهنة لهو أكثر ضرورة حتى ينضج عندنا وعي كامل للظروف المحيطة بنا والى أين تكون غاية المصير.

إن حزب الله هو العقل المخطط والذراع العسكرية والناظم لقوى الثورة المضادة التي أخذت على عاتقها توزيع مهامها وترتيب صفوفها ودعمها بالمال والسلاح وتقديم الغطاء السياسي لها.

كان المخطط يقود اللبنانيين من مرحلة قلقة مخلخلة مهتزة الى مرحلة أخرى أكثر قلقاً وأكثر تأرجحاً واضطراباً. فبداعي المقاومة ومواجهة اسرائيل حتى لو انسحبت من الشريط الحدودي أصبح في لبنان جيشان، وعوضاً عن استنهاض مؤسسات الدولة وتحديثها وعصرنتها أصبح لدينا دولتان، ذلك كتوطئة لسقوط الدولة وبسط نفوذ وسيطرة دولة حزب الله. فلدولة حزب الله هذه جيشها وسلاحها وأجهزتها الأمنية وشبكات اتصالات خاصة بها وميزانية مالية ضخمة بل مؤسسات تجارية خاصة على قاعدة التمويل الذاتي لأن للحزب حساباته المالية الدقيقة، لأن تدفق الدعم المالي الايراني قد يتعرض للنضوب أو التوقف كأن تنشب حرب طاحنة في الخليج أو سواه كما جرى في شمالي اليمن… كما لهذه الدولة جامعاتها ومستشفياتها ومستوصفاتها وصيدلياتها ومعاهدها ومدارسها وحضانات أطفالها، وعوضاً أن تبني لنفسها مطارات استولت على مطار بيروت الذي يخضع لرقابة أجهزتها الأمنية مباشرة بالتنسيق مع مخابرات النظام الأسدي حيث يتم توقيف معارضي نظام دمشق لنقلهم مباشرة الى الحدود ثم الى أقبية وزنازين التعذيب الأسدية في دمشق.

انصبت كل جهود حزب الله على المجلس النيابي في الآونة الأخيرة للسيطرة عليه وهو آخر معاقل الديموقراطية البرلمانية اللبنانية، فعمدت مطابخه لتقديم “القانون الأرثوذكسي” السيئ الذكر لمشاغلة المسيحيين بعضهم بالبعض الآخر، واستمر النقاش العقيم حوله أشهراً طويلة وذلك بقصد اضاعة الوقت ونشر جو مخيف من الشحن الديني والمذهبي والبلبلة والاشمئزاز لدى الرأي العام اللبناني حتى يسقط في يده فينهار. هذا والاستحقاق الدستوري أصبح وشيكاً… وكانت كل المداولات تدور عملياً على خلفية وإيقاع الحرب الدائرة في سوريا فكان التمديد للمجلس الحالي وكأنه هدنة هشّة مؤقتة بين الفرقاء بانتظار جلاء الموقف في سوريا.

بعد سقوط المؤسسات الحكومية والادارات الرسمية والامساك بمرافق البلاد كافة، بل في آن معاً وهي في طريقها الى التهاوي والسقوط كان حزب الله يتورط بصورة غير معلنة في الحرب في سوريا، ثم راح تورطه يأخذ طريقه الى العلن فراحت شعارات الحزب بالدعوة الى حل سياسي للأزمة السورية تحل محلها طروحات ظلامية سوداء من قبيل “معركة حزب الله في سوريا هي مسألة حياة أو موت”. فالمقاومة التي طالما نادى بها حزب الله ضد اسرائيل بعد أن استدارت نحو الداخل اللبناني، خرجت هذه المرة نحو الشرق باتجاه الداخل السوري بعيداً جداً عن اسرائيل. لقد غرق حزب الله نهائياً في غياهب “القصير” و”حمص” و”حلب” ودرعا” وتراب سوريا المخضب بدماء وأشلاء السوريين ضحايا وشهداء النظام الفاشي الأسدي الذي لم يطلق طيلة 40 سنة طلقة واحدة باتجاه اسرائيل.

انه لنذير شؤم وخطأ قاتل يرتكبه حزب الله بإشعاله حرباً مذهبية في سوريا، فقد بدأت الأمور تخرج نهائياً من تحت السيطرة هناك. ان النظام الأسدي يترنح وينهار، فلا بد من دعمه بالمال والرجال والسلاح، ابتداء بروسيا، ومروراً بإيران والعراق وانتهاء بلبنان واليمن… والوقت داهم، فلا بد لحزب الله أن يحسم متاعب الساحة اللبنانية بسرعة لينصرف كلياً للقتال الضاري في سوريا. فقد أراح التمديد للبرلمان “الحزب”ترك اللبنانيين في بؤسهم وشقائهم ومصائبهم، فلدى اللبنانيين ملفات ثقيلة تراهم عاجزين عن حلها، فالجيش يفصل بين باب التبانة وجبل محسن في طرابلس، وحكومة الصناعة السورية مسؤولة وغير مسؤولة، والرئيس المكلف أسقط بيده فالأزمة أكبر من نواياه الطيبة، وموسم السياحة في الصيف الى افلاس وبوار وأزمة الكهرباء قد عادت أسوأ مما كانت عليه، والهم المعيشي قد نهش أرواح اللبنانيين وقضم مداخيلهم، والفضائح المالية والصفقات المخجلة أصبحت خبزهم اليومي، ورئيس البلاد تقترب ولايته من نهايتها في ظل برلمان مجدد له…

لقد ترك السيد نصرالله وراءه بلداً ممزقاً مأزوماً متخماً بالأزمات العصية على حافة الحرب الأهلية ليتفرغ الى مآثره الكبرى وجهاده المقدس ألا وهو محاولة سحق الثورة السورية إنقاذاً للنظام الأسدي الفاشي الحليف الاستراتيجي لنظام العمائم الايراني والتوأم للنظام العراقي المذهبي المتصدع… بينما تحرص اسرائيل على بقاء النظام الأسدي الضامن التاريخي لأمنها في الشمال.

هذا هو المشهد المأساوي الذي نحن حياله في الشرق الأوسط الذاهب بكل أزماته ومتاعبه وحمامات دماء شعوبه وأنظمته المهترئة الى جنيف-2 حيث تتكلم بعض الأوساط عن يالطا أخرى أو سايكس بيكو جديدة تفرضها عواصم القرار عنوة فوق رقاب الشعوب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة