أميركا تضيّع فرصة “وضع إصبع في عين نتنياهو” أمام “جيه ستريت”

محمود زين الدين7 ديسمبر 2022آخر تحديث :
أميركا

تراجع أميركي عن وضع ممارسة بن غفير في خانة العمل “المقيت” وبالتالي سحب الاعتراض المضمر على توزيره.
عبارة “محاسبة” وردت فقط عندما طالب بلينكن السلطة الفلسطينية بالإصلاحات ومحاربة الفساد واعتماد “المحاسبة” في هذا المجال.
حل الدولتين بقي في خانة “الأمل” الذي دعا الوزير إلى العمل لترك “آفاقه مفتوحة” وإن كان تحقيقه غير متوقع سوى “في المدى البعيد”.
خلت كلمة بلينكن من أي ملاحظة ولو مبطّنة عن الاحتلال علما أن وزارة الخارجية اعترفت قبل أشهر ولو اضطرارا بأن الضفة “أرض محتلة”.
زيادة في تطمين نتنياهو، أكد بلينكن على أن القدس “عاصمة لإسرائيل ومدينة لكل أهلها” أي أنها مكان إقامة لا أكثر لسكانها الفلسطينيين.
تراجع أميركي نحو العودة للخطاب الموروث وتكرار مفرداته حول حرص لا يتزحزح لضمان “أمن إسرائيل” والسخاء المالي والعسكري لتأمين تفوقها.
اكتفى بلينكن بالقول إن الإدارة “لا تدعم توسيع الاستيطان والضم وهدم المنازل أو طرد سكانها وتغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة”، دون إدانة للانتهاكات ولا مساءلة.
* * *
كان خطاب وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أمس الأحد، في المؤتمر السنوي لمنظمة “جيه ستريت” اليهودية في واشنطن فرصة لتوجيه رسالة رادعة لبنيامين نتنياهو، لو كانت الإدارة جادة في تحذيرها المبطن له منذ المجيء بحكومة تضم جرّافات عنصرية من عيار إيتمار بن غفير، الذي وصفت وزارة الخارجية الأميركية مشاركته أخيرا في احتفال بذكرى مائير كاهانا بأنه عمل “مقيت”.
اللحظة كانت مؤاتية عشية إعلان الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والمنبر مناسب للحديث بلغة الردع لنتنياهو. فمنظمة “جيه ستريت” هي لوبي يهودي جديد طرح نفسه منذ 2007 كصوت يهودي أميركي ضد الاستيطان ومؤيد لحل الدولتين وكبديل عن اللوبي الإسرائيلي الأصيل الواسع النفوذ خاصة في الكونغرس، والذي يعمل ويمارس كحارس صارم لمصالح إسرائيل في واشنطن وسياساتها التوسعية.
منظمة “جيه ستريت” بالمقارنة ما زالت ضعيفة التأثير في القرار الأميركي، لكنها تعكس موقف فريق متزايد من اليهود الليبراليين الأميركيين الذين تتزايد مخاوفهم من عواقب التعنت الإسرائيلي الكامل المستند لدعم أميركي كامل بدأ يحرك اعتراضات علنية ولو ضئيلة حتى داخل الكونغرس.
وهذا وضع بدأت شرائح يهودية أميركية تتوجس من آثاره، في ساحة تتزايد فيها أخيراً النعرة العنصرية ضد الأقليات وبالذات اليهود منهم.
لكن الوزير لم يغتنم الفرصة لأن التصدي ليس في حسابات الإدارة. في تقدير بعض أنصار إسرائيل أن كلمة بلينكن في هذا الوقت بالذات كانت بمثابة “وضع الإصبع في عين نتنياهو”، حسب ما نُسب إلى أحدهم قوله. لكن في الواقع لم يكن في خطابه ما يوحي بمثل هذا التوصيف.
وإذا كان فيه شيء من هذا القبيل فقد اقتصر على تلميحات من النوع الخجول والضبابي، مثل قوله إن الإدارة سوف تحكم على الحكومة الإسرائيلية الجديدة من “خلال أعمالها وليس أشخاصها”. وفي ذلك تراجع عن وضع ممارسة بن غفير في خانة العمل “المقيت” وبالتالي سحب الاعتراض المضمر على توزيره.
وجاء هذا التراجع في سياق العودة إلى الخطاب الموروث وتكرار مفرداته لجهة الحرص الذي لا يتزحزح لضمان “أمن إسرائيل” والسخاء المالي والعسكري لتأمين تفوقها وإلى آخر المعزوفة المعروفة التي صارت من طقوس خطاب الإدارات المتعاقبة لتطمين إسرائيل.
وهو خط أسس له وكرسه هنري كيسنجر مطلع السبعينيات من القرن الماضي، عندما رفع شعار التطمين لتكثيف الجسر الجوي العسكري لإسرائيل في حرب 1973 ثم لتعزيز قدراتها بعد الحرب بذريعة حملها على القبول بفك الاشتباك على الجبهتين المصرية والسورية. وقد تحول هذا التعهد إلى التزام “حديدي” بمقتضياته من جانب الإدارات المتتالية وحتى الآن.
وزيادة في تطمين نتنياهو، أكد بلينكن على أن القدس “عاصمة لإسرائيل ومدينة لكل أهلها”. ضمنا يعني أنها مكان إقامة لا أكثر في ما يتعلق بسكانها الفلسطينيين.
كما خلا خطابه من أي إشارة سوى واحدة خجولة وعابرة إلى المستوطنات اكتفى فيها بالقول إن الإدارة “لا تدعم توسيع الاستيطان والضم وهدم المنازل أو طرد سكانها وتغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة”، من دون إدانة لمثل هذه الانتهاكات ولا تشديد على المساءلة عند حصولها.
وطبعا خلت كلمة بلينكن من أي ملاحظة ولو مبطّنة عن الاحتلال، علما أن وزارة الخارجية اعترفت قبل أشهر ولو اضطرارا وليس طوعاً، بأن الضفة “أرض محتلة”.
وأيضا لم ترد كلمة محاسبة على لسانه عند الحديث عن العنف المتزايد في الضفة، والذي ربط جانبه الإسرائيلي “بالمستوطنين” فقط، متجاهلا عمليات القتل التي يقوم بها جيش الاحتلال، ربما “لعدم ثبوت النية الجرمية”، كما جاء في نتيجة التحقيق بمقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، والتي تقبلتها الإدارة ولو أن المغدورة تحمل الجنسية الأميركية.
عبارة “محاسبة” وردت فقط عندما طالب الوزير بلينكن السلطة الفلسطينية بالإصلاحات ومحاربة الفساد واعتماد “المحاسبة” في هذا المجال. أما حل الدولتين فبقي في خانة “الأمل” الذي دعا الوزير إلى العمل لترك “آفاقه مفتوحة” وإن كان تحقيقه غير متوقع سوى “في المدى البعيد”.
الخطاب جرى تحميله أكثر مما يحتمل. في مجمله هو منسوخ عن الموروث. أكثر ما ابتغته الإدارة على ما يبدو هو زكزكة نتنياهو عبر تذكيره بموقف يمكن أن تكون راغبة فيه لكنها غير ملتزمة به.
الهدف استباق ولادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة لكبح توجهاتها المتوقعة والمحرجة. وكذلك زكزكة برسم اللوبي الإسرائيلي العتيق الذي بدأ يثير التأفف والتبرم لدى بعض الأوساط لما يتمتع به من فائض نفوذ يثير جدلا حتى في صفوف اليهود.
وبذلك فإن أقصى طموح إدارة بايدن أن يبقى الوضع الفلسطيني الراهن على حاله وبما لا يتطلب أكثر من إدارته وضبطه بالإغداق على إسرائيل وبمساعدات “لتحسين الأوضاع الحياتية للفلسطينيين” مع الإقرار بحقوقهم في “المساواة وحفظ الكرامة وتوفير الفرص والحرية” الشخصية. لكن حقوقهم في الحرية السياسية مسألة متروكة للتفاوض المفتوح على الزمن.

المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

هل يغرق نتنياهو في وحل الحكومة الائتلافية ومستنقع التصعيد؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة