أمريكا المنقسمة على نفسها

محمود زين الدين9 يناير 2023آخر تحديث :
أمريكا

«لا تحوّلوا نصراً عظيماً (الانتخابات النصفية) إلى هزيمة عملاقة ومحرجة».
إنها نذر الانقسام الداخلي الأمريكي بل هي تجليات الانقسام الحاصل فعلاً فالأمر تعدى حدود النذر التي يمكن تفادي ما تشي به ليصبح واقعاً.
الديمقراطيون معرضون أيضا لانقسام مشابه، جذوره كامنة، لكنها غير خفيّة، مع المآخذ المتتالية داخلهم على أداء الرئيس بايدن خاصة بسبب تقدّم سنّه.
حتى بعد نجاح الجمهوريين في تخطي عقبة انتخاب رئيس منهم لمجلس النواب، فإن تخطي هذه العقبة لا يعني أنه جرى تخطي الانقسام الداخلي الأمريكي الحاصل.
هو انقسام أعمق وأشمل من أن يكون مقتصراً على الجمهوريين وحدهم، بل يشمل الديمقراطيين المستفيدين من مظاهر الخلافات الحادة داخل معسكر خصومهم.
* * *

بقلم: د. حسن مدن
نُذر الانقسام الداخلي الأمريكي لم تظهر اليوم فقط، وإنما ظهرت طوال سنوات ولاية الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، وظهرت بصورة أشدّ وأوضح في الملابسات التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي تنافس فيها ترامب مع الرئيس الحالي، مرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، وانتهت بفوزه، دون أن يحظى هذا الفوز باعتراف ترامب، الذي رفض، في سابقة من نوعها، حضور حفل تنصيب خلفه.
لكن خلال الأيام القليلة المنقضية شهدنا سابقة أبلغ بكثير في دلالاتها، فمنذ أكثر من مئة عام لم يحدث أن أخفق مجلس النواب الأمريكي في اختيار رئيس له، بعد أن أصبح الجمهوريون يتمتعون بأغلبية بسيطة، ولكنها كافية لأن تجعل رئيس المجلس جمهورياً، ولكن نواب الحزب انقسموا على أنفسهم، وتكررت الجلسات التي أخفقت في تأمين الأغلبية التي يحتاج إليها مرشح الحزب، كيفن مكارثي، ليفوز برئاسة المجلس.
ورغم أن البعض يرى أن للرئيس السابق ترامب علاقة بعرقلة انتخاب مكارثي، على خلفية موقف الأخير الناقد لهجوم أنصار ترامب على مبنى الكونغرس يوم تنصيب بايدن رئيساً، إلا أنه، أي ترامب، ولتفادي الأمر حثّ المعترضين من أعضاء حزبه على انتخاب مكارثي في محاولة لإثنائهم عن موقفهم، قائلاً:
«لا تحوّلوا نصراً عظيماً (الانتخابات النصفية) إلى هزيمة عملاقة ومحرجة».، لكن مناشدته لم تجد ما كان متوقعاً لها من صدى، وقالت إحدى النائبات الجمهوريات المعترضات: «على ترامب بدلاً من المطالبة بدعم مكارثي، أن يتصل به ويخبره أنه حان وقت الانسحاب».
قلنا إنها نذر الانقسام الداخلي الأمريكي، لكن لعلّ الأصح القول إنها تجليات هذا الانقسام الحاصل فعلاً، فالأمر تعدى، ومنذ فترة، حدود النذر التي بالإمكان تفادي ما تشي به، ليصبح واقعاً.
وحتى بعد نجاح الجمهوريين في تخطي عقبة انتخاب رئيس منهم لمجلس النواب، وهذا هو المرجح بالتأكيد، لكن تخطي هذه العقبة لن تعني بأي حال أنه جرى تخطي الانقسام الداخلي الأمريكي الحاصل، وهو انقسام أعمق وأشمل من أن يكون مقتصراً على الجمهوريين وحدهم!
بل يشمل حتى الديمقراطيين، الذين يبدون، في هذه اللحظة، مستفيدين جداً من المظاهر الحادة للخلافات داخل معسكر خصومهم، دون أن يعني ذلك منجاتهم من انقسام مشابه، جذوره كامنة، لكنها غير خفيّة، خاصة مع المآخذ المتتالية، ومن داخل الديمقراطيين أنفسهم، على أداء الرئيس بايدن بسبب تقدّم سنّه خاصة.

*د. حسن مدن كاتب وناقد صحفي من البحرين

المصدر: الخليج – أبو ظبي

موضوعات تهمك:

المال والسياسة فى أمريكا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة