أمراض إجتماعية ينتجها الإلتزام بالتقاليد

محمد كمال الشريف4 نوفمبر 2018آخر تحديث :
أمراض إجتماعية ينتجها الإلتزام بالتقاليد

أمراض إجتماعية ينتجها الإلتزام بالتقاليد

 

إن التقاليد تركز دائماً على الذم والمدح، وعلى المكانة في المجتمع، فتنسب الشرف للمطيع لها، وتلحق العار بالمتمرد عليها، وهي بذلك قائمة على أساس العلو في الأرض، والفخر، والاستكبار.

وهذا الخُلُق كان سائداً عند عرب الجاهلية، وهو في الأصل خُلُق إبليس الذي أبى واستكبر، فإبليس كان أول من استكبر، وافتخر بأصله أنه من نار، بينما آدم من طين: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} }ص:76{.

 ضمن سلسلة لماذا يجب علينا عدم الإلتزام بالتقاليد؟ افتتحها بالمقال الأول التقاليد غير ثابتة وستجعل منك منافق. وفيها يدفع إلى عدم الالتزام بالتقاليد البالية. يوضح الدكتور محمد كمال الشريف استشاري الطب النفسي والمفكر الإسلامي،في هذه المقالة سببا ثالثا يؤدي الى أمراض إجتماعية ينتجها الإلتزام بالتقاليد، 

والفخر خُلُقُ التقاليد، إذ يفخر البعض بنسبهم، والبعض بمالهم، وآخرون بقوّتهم، وتُعمل الأعمال لتكون شيئاً يُفتخر به، وفي بعض البلاد يقال: (إما أن تفتح بابك فتفتخر، وإلا فلتغلقه فتستتر) وهم يقصدون أنك إن دعوت أحداً إلى بيتك، أو قدمت هدية، أو احتفلت بعرس، أو….. فافعل ذلك إن كنت قادراً على أن تفعله بشكل يجلب المديح، والثناء، والفخر، وإلا فلا تفعل على الإطلاق، وذلك ستر لك، لأن طعاماً متواضعاً تدعو إليه أصدقاءك عيب، ويجلب المذمة، ولأن هدية غير قيمة قد تجلب كلام الناس، وحفلاً بسيطاً يُقلل من مكانتك بين الناس دون مراعاة لحالك، فطالما أنك غير قادر على ما يجلب الفخر، فخيرٌ لك ألا تفعل شيئاً من ذلك.
لذا يشعر المحرومون في مجتمع التقاليد بالضّعة والنقص، ويتحرقون على ما يخرجهم من ضعتهم وفقرهم فيرفعهم بين الناس مكاناً عالياً، فينضمون إلى طبقة المترفين الذين يحق لهم الفخر، والتباهي، والتعالي.

والنزعة إلى التعالي، والسعي إلى بلوغ مكانة بين الناس أمر مفسدٌ لدين المرء، ومبطلٌ لأعماله، فقد قال تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} }لقمان: 18{
وقال أيضاً: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} }القصص: 83{

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حسن صحيح رواه الترمذي في كتاب الزهد: “ما ذئبان جائعان أُرسلا في غنمٍ بأفسدَ لها من حرصِ المرء على المال والشرفِ لدينه”.

اقرأ/ي ايضا: لماذا ننجب أولادنا؟

فالحرص على المال والحرص على الشرف أي: المكانة بين الناس، يفسدا الدين كما لو كانا ذئبين جائعين أُطلقا في قطيع من الغنم.

وقد روى مسلم في صحيحه في كتاب: الجنة، عن عياض قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خطيباً فقال: (إن الله أمرني أن أُعلمكم ما جهلتهم مما علّمني يومي هذا…. وإن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد…”.

وكان صلى الله عليه وسلم إذا ما أخبر عن نفسه، وعن مكانته التي خصّه الله بها من بين الناس يقول: “ولا فخر” فقد روى الترمذي حديثاً حسناً في تفسير سورة بني إسرائيل جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذٍ آدمَ فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من ينشقّ عنه الأرض ولا فخر”.

وإن النار تُسَعَّر يوم القيامة بثلاثة: شهيد وعالم ومحسن، ذلك أنهم ابتغوا بأعمالهم الجزاء من المجتمع مكانةً وسمعة، وشهرة طيبة، وصيتاً ذائعاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في كتاب الإمارة:
“إن أول الناس يُقضى يوم القيام عليه رجل اُستُشهد فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء وقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم، وعلمه، وقرأ القرآن، فأُتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلّمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليُقال عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئٌ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار.

ورجل وسّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحبّ أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليُقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسحب على وجه، ثم ألقي في النار”.

اقرأ/ي ايضا: انكار المنكر وسيلة لبناء المجتمع السوي

وإن اجتناب العيب أمر متمم لابتغاء المكانة عند الناس، وهما بمثابة وجهي عملة واحدة، إذا وجد أحدهما وجد الآخر حتماً، حيث اجتناب العيب يكون الغرض منه المحافظة على المكانة التي بلغها الفرد، لتكون هذه المكانة منطلقاً له إلى مكانة أعلى إن استطاع.

وفي مجتمع التقاليد يختلط في عقول الناس مفهومان مختلفان، وهما: الكرامة والكبرياء، فترى الناس يمدحون الكبرياء وقد ذمّها الله، وهدّد، وتوعّد من يقع فيها، فيقولون مادحين: “لقد منعته كبرياؤه” أو “إنها امرأة عندها كبرياء” والذي يستحق الإنسان أن يمدح عليه هي الكرامة التي قررها الله للجميع، فمن يحافظ عليها فهو أهل للمديح والثناء، ومن فرط فيها يستحق الذم.

وفي مجتمع التقاليد يشتم الرجل، ويعيّر بأنه مثل النساء أو الأولاد، وقد يكون من الحق أنه على الرجال ألا يتشبهوا بالنساء، وعلى النساء ألا يتشبهن بالرجال، لكن هذا المفهوم لوجوب المحافظة على التميّز بين الجنسين يختلف عما توحي به الشتائم التي تقول: إن فلاناً حقير جدير بالازدراء، فهو ليس رجلاً، إنه امرأة، أو مثل امرأة، أو إنه ولد، أو مثل الأولاد، وإيحاء هذه الشتائم يدخل نفوس الأطفال الذين يسمعونها، وهم في عمر لا يمكنهم من فهم نسبية الأشياء، فينغرس في نفوسهم أن المرأة تستحق الازدراء، لأن الذي يكون مثلها مُزدرى، وأن الأولاد يستحقون الازدراء لأن الذي يكون مثلهم مُزدرى.

وما يغرس في الطفولة من مشاعر وتوجهات يذهب إلى اللاشعور، ويتوطد في النفس، ولن تزيله منها فكرة أو قناعة، إلا إن ترافقت القناعة مع مجاهدة للنفس، وإنه لا القناعة ولا المجاهدة تتوفران عادة لأولئك الرجال، الذين توطدت في نفوسهم مشاعر الازدراء للمرأة والطفل، ومشاعر الترفع عن أن يكون الإنسان امرأة أو طفلاً، وتكون التقاليد بذلك عاملاً هاماً في ترسيخ التمييز العنصري الموجّه ضد المرأة والطفل في كثير من المجتمعات والأفراد.

اقرأ/ي أيضا: كيف يهدم المجتمع كرامة أفراده بالسخرية والإحتقار؟

ومما يرسخ استعلاء الرجال على النساء في مجتمع التقاليد اشتمال أغلب الشتائم على المعاني الجنسية حيث يُشَبَّه المشتوم بالمرأة، وتصمه الشتيمة بأنه أهل لأن يقوم بدور المرأة في العملية الجنسية، وهذا يسمعه الأولاد في صغرهم، فتتولد منه في نفوسهم مشاعر وتوجهات تستمر معهم إلى كِبرهم، ولن تزيلها إلا تربية جديدة، ومجاهدة للنفس شديدة.

إنّ لكل كلمة يسمعها أولادنا أثراً في نفوسهم، قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً، وقد يكون الأثر أعمق بكثير مما كنا نظن، وما بحثنا هذا كله إلا محاولة لفهم الأثر الذي تولّده كلمة “عيب” التي يسمعها أكثر الأولاد مرات لا تحصى خلال طفولتهم.

لديك كنز من المعلومات في قسم بنون، ويرتبط باساليب فهم و تربية الاطفال و المراهقين، اذا كان لديك ابن او ابنه في سن الطفولة أو المراهقة او قريب من سن المراهقة، فمن المهم ان تتطلع على هذا القسم و به الكثير من المقالات المكتوبة بقلم المفكر الاسلامي واستشاري الامراض النفسية الدكتور محمد كمال شريف الرابط هنا

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة