أزمة أمريكا: من زرع حصد!

الساعة 2514 يناير 2023آخر تحديث :
أمريكا

كان جينجرتش وصحبه يتميزون بانتهاج أسلوب المواجهة والصدام العلنى مع الديمقراطيين، فى مجلس كانت تقاليده تقوم على التشريع عبر التوصل لحلول وسط بين الأقلية والأغلبية.

فى هذه الأجواء، كان ظهور ترامب تطورًا طبيعيًا كأحد تجليات حالة الحزب الجمهورى.

* * *
بقلم: د.منار الشوربجي

الأزمة التى تجلت فى فشل مجلس النواب الأمريكى فى انتخاب رئيس ترجع جذورها لتطورات تراكمت عبر عقود. فالمجلس تعرض للشلل فى أول أيامه، عندما طُرح اسم كيفن مكارثى للتصويت 15 مرة قبل أن يُفلح فى الحصول على الأصوات اللازمة لتولى منصب رئيس المجلس. وانتخاب رئيس المجلس عادة ما يكون تحصيل حاصل. فحزب الأغلبية يختاره وحده، عمليًا، لأنه يملك الأغلبية البسيطة التى تُمكنه من انتخابه دون الحاجة لأصوات الأقلية.

لكن الأمر تغير هذه المرة. فالحزب الجمهورى يملك أغلبية هشة، 222 نائبًا من أصل 435. وقد تمترس عشرون نائبًا من حزب مكارثى ضده طمعًا فى تنازلات تمنحهم صلاحيات حال بدء أعمال المجلس. والنواب العشرون يمثلون أقصى يمين الحزب، ويدينون بالولاء لترامب. غير أن أزمة الحزب الجمهورى سابقة على ظهور ترامب على الساحة أصلًا، بل إن ترامب كان مجرد واحدًا من تجلياتها.

فبنهاية سبعينيات القرن العشرين، وصل لعضوية المجلس مجموعة من النواب الجمهوريين لم يختلفوا أيديولوجيًا عن باقى الحزب، وإنما كان اختلافهم الرئيسى فى أسلوب الأداء. وكان على رأس تلك المجموعة نيوت جينجرتش، الذى صار فيما بعد رئيسًا للمجلس. وكان جينجرتش وصحبه يتميزون بانتهاج أسلوب المواجهة والصدام العلنى مع الديمقراطيين، فى مجلس كانت تقاليده تقوم على التشريع عبر التوصل لحلول وسط بين الأقلية والأغلبية.

كما قامت تقاليده على احترام الأقدمية وعلى الاحترام المتبادل بين الأغلبية والأقلية، على الأقل علنًا. وحين فاز الجمهوريون بالأغلبية فى 1994 وصار جينجرتش رئيسًا للمجلس، تغير وجه المؤسسة التشريعية. فلم يعد التشريع هو السبيل لتولى المناصب القيادية، ولم يعد النواب ينظرون للكونجرس باعتباره شريكًا للرئيس فى الحكم وإنما على أنه معطل له لو كان من الحزب الآخر. وقد صارت قيادات الجمهوريين تسعى لضم أعضاء جدد قادرين على الصدام لا التشريع، فازداد انحراف الحزب نحو اليمين أيديولوجيًا أيضًا. وفى عام 2007، أطلق ثلاثة نواب جمهوريين، كان كيفين مكارثى أحدهم، على أنفسهم اسم «الأسلحة الشابة». وقدَّم، هو وإريك كانتور وبول رايان، أنفسهم باعتبارهم جيلًا مختلفًا، لكنهم واقعيًا رفعوا تكتيكات الصدام لمستوى أعلى.

وحين وصل أوباما للحكم نشأت «حركة حفل الشاى» التى كانت شكليًا مناهضة لسياسات الديمقراطيين وفعليًا معادية للأقليات ولأوباما تحديدًا، كونه أسود. وقتها تبنت «الأسلحة الشابة» الثلاثة بيانًا خاضوا به الانتخابات التشريعية، وساعدوا مجموعة جديدة من النواب ينتمون لحفل الشاى فعاد الحزب للأغلبية، وتولى إريك كانتور منصب زعيم الأغلبية. لكن سرعان ما حصدت «الأسلحة الشابة» ما زرعت. فقد هزم أنصار «حفل الشاى» إريك كانتور فى الانتخابات التمهيدية بدائرته الانتخابية. عندئذ، تقدم مكارثى ليتولى زعامة الأغلبية خلفًا لكانتور، لكن نواب «حفل الشاى» هزموه، واختاروا ثالث «الأسلحة الشابة»، بول رايان.

وفى هذه الأجواء، كان ظهور ترامب تطورًا طبيعيًا كأحد تجليات حالة الحزب الجمهورى. لكن نواب الحزب، بمن فيهم بول رايان، الذى تولى رئاسة المجلس فى عهد ترامب، تبنوا الانتهازية السياسية، وابتلعوا ألسنتهم ولم يعارضوا ترامب حتى حين اختلف مع مبادئهم. بل إن مكارثى تفوق على زملائه بعد واقعة اقتحام الكونجرس. وقد أصابت فترة ترامب بول رايان بالإحباط، فتقاعد تمامًا عن السياسة، ولم يبق من «الأسلحة الشابة» سوى مكارثى الذى رأى العالم بالصوت والصورة ما جرى معه الأسبوع الماضى من جانب المارد الذى كان قد أخرجه بنفسه من القمقم. تلك هى قصة الحزب الجمهورى الذى بات يأكل نفسه كل عقد مرة.

د.منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

المصدر: المصري اليوم – القاهرة

موضوعات تهمك:

هل يُحاكَم ترامب جنائيًّا؟!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة