نجحت قمة “تيكاد” نسبيا.. وانهارت العلاقات التونسية المغربية

محمود زين الدين4 سبتمبر 2022آخر تحديث :
تيكاد

اكتشف سعيّد منذ توليه السلطة أن تونس تكاد تصبح رهينة لدى دول الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات التمويل الدولية.
ما حدث مع المغرب خلق أزمة جديدة للرئاسة التونسية وستزيد الأزمة من توتير الأجواء في منطقة المغرب العربي، إن لم يتم احتواؤها.
راهن سعيّد على قمة “تيكاد” كثيراً باعتبارها أول قمة تحتضنها تونس خلال توليه الرئاسة ويرغب بتوثيق علاقة تونس باليابان وأن تصبح علاقة استراتيجية.
هناك في تونس من يشجع سعيّد على التمسك بموقفه وأن المغرب دولة منافسة لتونس وإخراجها من المعادلة لن يضر تونس ويمكن قطع العلاقات معها دون تضرر تونس!
الوفود الأميركية تتوالى على تونس ومع كل زيارة، يزداد سعيّد إصراراً على تكرار الخطاب نفسه: “تونس متمسكة بسيادتها، وترفض التدخل في شؤونها الداخلية”.
* * *

بقلم: صلاح الدين الجورشي
كان الأسبوع الأخير مثيراً في تونس نتيجة أحداث سياسية متعددة كشفت في مجملها مرة أخرى حجم الصعوبات والتحديات والمخاطر التي يمر بها هذا البلد.
فعلى الرغم من نجاح قمة “تيكاد 8” (قمة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا) في التوصل إلى إبرام العديد من الاتفاقيات بين اليابان والدول الأفريقية، وما أكدته أن طوكيو تتقدم بخطى ثابتة لتصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في القارة السمراء، مما جعل رئيس غرفة التجارة والصناعة التونسية اليابانية يطالب بجعل طوكيو حليفاً اقتصادياً استراتيجياً لتونس!
إلا أن ما حدث مع المغرب خلق أزمة جديدة للرئاسة التونسية. وستزيد هذه الأزمة من توتير الأجواء في منطقة المغرب العربي، في حال لم يتم احتواؤها.
جهود قيس سعيّد لإنجاح قمة “تيكاد”
وضع الرئيس التونسي قيس سعيّد كامل جهوده من أجل إنجاح قمة “طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا”، وراهن عليها كثيراً باعتبارها أول قمة من نوعها تحتضنها تونس خلال توليه رئاسة الجمهورية.
إضافة إلى البعد الإقليمي لهذه القمة، يرغب الرئيس بتوثيق العلاقة بين تونس واليابان في هذه المرحلة بالذات، وأن تتجاوز هذه العلاقة التقاطعات الظرفية لتصبح علاقة استراتيجية، خصوصاً في الجانب الاقتصادي.
لقد اكتشف سعيّد منذ توليه السلطة أن تونس تكاد تصبح رهينة لدى دول الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات التمويل الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وهو ما قيّد كثيراً من هامش الحركة لدى تونس ورئاستها، ومكّن أوروبا والولايات المتحدة من فرض سياساتهما الاقتصادية وحتى السياسية.
فالوفود الأميركية لا تزال تتوالى على تونس بنسق مكثّف، آخرها الزيارة التي قامت بها مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف. ومع كل زيارة، يزداد الرئيس سعيّد إصراراً على تكرار الخطاب نفسه: “تونس متمسكة بسيادتها، وترفض التدخل في شؤونها الداخلية”.
كما نصح سعيّد ليف، مثلما فعل مع أعضاء الوفود السابقة، التعرف مباشرة إلى واقع تونس وشعبها، وألا يستمعوا لأصوات المعارضين الذين يتهمهم بالعمالة. فهو يريد تنويع شركاء تونس والبحث عمَن يساعده على تنفيذ أجندته السياسية من دون مساءلة، وبعيداً عن أشكال الضغط والتدخل في ما يعتبره شأناً داخلياً.
أزمة بين تونس والمغرب
في مقابل النجاح النسبي لقمة “تيكاد 8″، اندلعت أزمة غير مسبوقة مع المغرب. ولا يزال الجدل مستمراً حول الأسباب الظاهرة والخفية التي دفعت بالرئيس سعيّد نحو استقبال رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي. فهل كان ذلك أمراً مقصوداً؟ أم خطأ بروتوكولياً؟
وبقطع النظر عن طبيعة الإجابة عن هذا السؤال، فإن تونس التي تحاشت منذ اندلاع النزاع المتعلق بقضية الصحراء، الانخراط في هذا الملف، وجدت نفسها من دون تخطيط مسبق أو نقاش جماعي، مورّطة في هذا الاستقطاب الثنائي.
فمهما حاول الطرف التونسي تبرير ذلك بالرجوع إلى سوابق حصلت في هذا الإطار، أو بالاستناد إلى غير ذلك من المبررات، فإن ذلك كله لن يقنع المغاربة الذين ترسّخ لديهم الاعتقاد بأن سعيّد ومن ورائه الدولة التونسية قد انتقلت إلى موقع الخصم، وأصبحت جزءاً من النزاع القائم.
وهناك حالياً في تونس من يشجع سعيّد على التمسك بموقفه، ويوحي إليه أن المغرب دولة منافسة لتونس، وأن إخراجها من المعادلة لن يضر الشعب التونسي، وبالتالي يمكن قطع العلاقات الدبلوماسية معها من دون أن تتضرر تونس من ذلك.
في حين دعا دبلوماسيون قدامى مثل وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، إلى التحرك في اتجاه احتواء الأزمة، واعتبر أن هناك “تعثّرا دبلوماسيا وقعت فيه تونس، ولم يكن هناك موجب لفرض حضور الجانب الصحراوي في هذه القمة الاقتصادية”.
ودعم ونيس كلامه بالقول إن الحكومة اليابانية كانت معارضة لإشراك الصحراويين، واعتبر أن الذي قرر دعوة جبهة البوليساريو هو سعيّد.
في المقابل، يتعرّض سعيّد وتونس كبلد إلى هجوم غير مسبوق من قبل وسائل الإعلام المغربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي هناك، بشكل من شأنه أن يعمق القطيعة بين البلدين والشعبين.
ومما زاد في إرباك المشهد، بعض التصريحات الرسمية المعلنة في الجزائر المساندة لموقف تونس، إذ اعتبرت وكالة الأنباء الجزائرية أن “الذين يعتقدون بأن تونس ضعيفة، جانبوا الصواب تماماً”، وهذا يعني ضمنياً استعداد الجزائر لـ”حماية تونس”، وإدخالها في سياسة المحاور التي عانت منها كثيراً دول المنطقة.
في ضوء ذلك كله، تتجه العلاقات الثنائية بين تونس والمغرب نحو مزيد من التوتر والاحتقان، خصوصاً بعد قرار إعفاء التونسي الطيب البكوش من رئاسة “اتحاد المغرب العربي” من قبل المغرب.
كما طالبت “جمعية الدفاع عن المستهلك” المغربية مواطنيها بمقاطعة البضائع التونسية، مما يدل على أن الثقة تدهورت بسرعة بين القيادتين السياسيتين إن لم نقل إنها فُقدت لدى الطرفين بشكل واضح وخطير. وكان الثمن انهيار “الاتحاد المغاربي” الذي كان مجرد شبح، نهائيًا، فجاءت هذه الأزمة لتجعل منه جزءاً من الماضي.

* صلاح الدين الجورشي كاتب وناشط تونسي في المجتمع المدني

المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

لماذا لا تعترف إسرائيل بمغربية الصحراء؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة