قمة شنغهاي ومراجعة الحسابات الروسية

د. محمد السعيد عبد المؤمن24 سبتمبر 2022آخر تحديث :
قمة شنغهاي

بعد انتهاء أعمال تلك القمة يجدر التساؤل عن مدى رجاحة هذه المراهنة الروسية على منظمة شنغهاي؟
رسائل أمريكا وصلت للصين الحريصة بدورها على عدم تكرار تجربة التورط الروسي في أوكرانيا.
بدورها وصلت حتماً الرسائل الصينية إلى روسيا التي ستكون مطالبة بإعادة مراجعة حساباتها مع شركائها في هذه الظروف الصعبة.
تحرص روسيا على تأكيد امتلاكها أوراقاً سياسية واقتصادية قوية قادرة على دعم سياساتها بمواجهة التمدد الأطلسي نحوها عبر أوكرانيا.
روسيا راهنت كثيراً على قمة سمرقند لمنظمة شنغهاي في مواجهتها مع تحالف الأطلسي بينما تشهد العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا تطورات حرجة.
هل أبدت قمة سمرقند استنفاراً لصالح روسيا، خاصة ما يتعلق بموقف الصين والهند باعتبارهما أهم شركائها بمنظمة شنغهاي التي تضم كتلة بشرية واقتصادية هائلة؟
لم تعكس أعمال قمة شنغهاي «حماساً» صينياً نحو روسيا بل كان موقف الصين منضبطاً في حدود التعاون لتأسيس نظام عالمي عادل، دون إشارة لدعم روسيا بأوكرانيا.
* * *
أعطت روسيا أهمية كبيرة لانعقاد قمة سمرقند لقادة دول «منظمة شنغهاي للتعاون» التي استضافتها العاصمة الأوزبكية، الأسبوع الماضي، لأسباب كثيرة، في مقدمتها التطورات العسكرية الحرجة التي تواجه العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، فضلاً عن حرص روسيا على تأكيد امتلاكها أوراقاً سياسية واقتصادية قوية قادرة على دعم سياساتها بمواجهة التمدد الأطلسي نحوها عبر أوكرانيا.
ونستطيع أن نقول إن روسيا راهنت كثيراً على قمة منظمة شنغهاي في مواجهتها الحرجة مع تحالف الأطلسي، لدرجة تأكيد مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أن هذه المنظمة «تُعد بديلاً حقيقياً للهياكل والآليات الغربية، وأن أعضاءها ملتزمون بتشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر ديمقراطية».
وأسرف الإعلام الروسي في تعظيم مكانة منظمة شنغهاي بشكل غير مسبوق، من خلال عقد مقارنات بين هذه المنظمة بعضويتها الواسعة، وما تملكه من قدرات اقتصادية وسياسية هائلة، مع مجموعة الدول الصناعية السبع التي تقودها الولايات المتحدة.
ومن أبرز هذه المقارنات ما أوردته وكالة «نوفوستي» الحكومية الروسية، بقولها إن منظمة شنغهاي «باتت أكثر أهمية وقدرة على تبنّي القرارات والتأثير في السياسة الدولية من مجموعة الدول الصناعية الكبرى».
كما عقد الروس أيضاً مقارنات بين منظمة شنغهاي وحلف شمال الأطلسي، بالقول إن منظمة شنغهاي «تضم نصف سكان الكرة الأرضة وقدرات بلدانها الاقتصادية والعسكرية لا تضاهى».
وبعد انتهاء أعمال تلك القمة يجدر التساؤل عن مدى رجاحة هذه المراهنة الروسية على منظمة شنغهاي؟ وهل فعلاً أبدت قمة سمرقند استنفاراً من أجل الدفاع عن روسيا، وبالذات ما يتعلق بالموقف الصيني، وأيضاً الموقف الهندي باعتبار أن الصين والهند أقوى شركاء روسيا في هذه المنظمة التي تضم فعلاً كتلة بشرية واقتصادية هائلة؟
فالمنظمة تضم الآن 9 دول أعضاء بعد القبول الرسمي لعضوية إيران الكاملة، هي: الصين وروسيا والهند وباكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان وأوزبكستان وإيران، إضافة إلى دول تتمتع بصفة «شريك حوار»، هي أفغانستان وبيلاروسيا ومنغوليا وتركيا، وتمت الموافقة في القمة الأخيرة على إعطاء مصر والإمارات والكويت وقطر والبحرين صفة «شريك حوار» أيضاً.
أهمية هذا السؤال كشفتها كلمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب لقائه مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، في اليوم الأول للقمة، في تركيزه على جذب الصين نحو دعم الشراكة مع روسيا. فقد أكد أن «التوافق بين موسكو وبكين يلعب دوراً رئيسياً في ضمان الاستقرار العالمي والإقليمي».
وقال «نحن ندافع بشكل مشترك عن تشكيل عالم عادل وديمقراطي ومتعدد الأقطاب على أساس القانون الدولي، والدور المركزي للأمم المتحدة، وليس على بعض القواعد التي توصل إليها طرف ما، ويحاول فرضها على الآخرين».
متابعة أعمال قمة شنغهاي لم تعكس «تلهفاً» صينياً نحو روسيا، بل كان الموقف الصيني، كعادته، منضبطاً، وفي حدود التعاون لتأسيس نظام عالمي أكثر عدلاً، من دون إشارة واضحة لدعم الموقف الروسي الخاص بأوكرانيا.
كلمة الرئيس الصيني كانت واضحة في الرد على ما ورد على لسان الرئيس الروسي بالقول: «نحن على استعداد، مع زملائنا الروس، لنضرب مثالاً لقوة عالمية قادرة على أن تلعب دوراً رائداً لإحداث تغيير سريع في العالم من أجل إعادته إلى مسار التنمية المستدامة والإيجابية».
أفق التنمية المستدامة والإيجابية يختلف كثيراً عن الأفق الذي يطمح إليه الرئيس الروسي، لكن الصين، فضلاً عن إدراكها لحجم التحديات التي تواجه منظمة شنغهاي، ولاحتمالات وجود اختراق أمريكي لعرقلة نجاحات هذه المنظمة على غرار المواجهة العسكرية التي حدثت بين كل من طاجيكستان وقيرغيزستان وقت اجتماع قمة شنغهاي، وهما دولتان عضوتان ومؤسستان للمنظمة.
لكن الأهم هو حجم التصعيد الأمريكي في تحدى الصين، سواء في جبهة الصراع التكنولوجي، أو في جبهة تايوان، وهو تصعيد تفهمه الصين على أنه يرمي إلى إنهاكها كي تتوقف عن المزاحمة على الزعامة الدولية.
فما تسمّيه الولايات المتحدة «منافسة استراتيجية» مع الصين دخلت مرحلة جديدة من التسريع في ظل إجماع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبتنسيق تام مع البيت الأبيض والكونغرس.
وما توقيع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على أمر تنفيذي مؤخراً، لحث سلطات الحكومة الفيدرالية على منع الاستثمار الصيني في التكنولوجيا داخل الولايات المتحدة، إلا مؤشر لا ينافسه غير ما يسمى بـ«تآكل الغموض الاستراتيجي» الأمريكي، عندما قال الرئيس بايدن، حين سئل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً إذا هاجمت الصين تايوان «نعم إن القوات الأمريكية ستدافع عن تايوان فى حالة تعرضها لغزو صيني».
الرسائل الأمريكية وصلت للصين، التي هي حريصة بدورها على عدم تكرار تجربة التورط الروسي في أوكرانيا، وبدورها وصلت حتماً الرسائل الصينية إلى روسيا التي ستكون مطالبة بإعادة مراجعة حساباتها مع شركائها في هذه الظروف الصعبة.

* د. محمد السعيد إدريس خبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

موضوعات تهمك:

الجمهوريات السوفيتية السابقة تتفكك مرة أخرى على يد بوتين

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة