عن أي أزمة نتحدث؟

محمود زين الدين15 ديسمبر 2021آخر تحديث :
أزمة

في السياق الكوني تكمن أزمة الحضارة في «أزمة الإنسانية التي لا تكتمل إنسانيتها».

أزمة الحضارة تطال مجتمعات تقليدية تواجه تحدي التغريب وتطال الغرب نفسه والسبب يبدو لافتاً: «الغرب يقدّم إلى بقية الكوكب ما يشكّل مشكلة لديه».

العولمة بدأت منذ قرون مع غزو الأمريكتين ثم غزو العالم على يد الغرب والجديد هو عولمة تقنية اقتصادية متسارعة نظرا لتعميم الاتصالات العالمية بكل المجالات.

هل فكّر أحدنا، نحن متلقي الأخبار وسامعيها، لا صانعوها، في المقصود بمفردة أو مفهوم الأزمة بحدّ ذاتها، أي ما الذي يجعلنا نعتبر وضعاً ما أو ظاهرة ما أزمة؟

* * *

بقلم: حسن مدن

نقرأ في الصحف ونسمع في الإذاعات ومحطات التلفزة عن أزمات لا تحصى في عالم اليوم.

فهناك حديث عن أزمة المناخ والبيئة، أزمة المجاعة، أزمة شحّ المياه، أزمة سباق التسلح النووي، أزمة العلاقات بين الدول، أو أزمات الدول منفردة حين يتصل الأمر بأوضاعها الداخلية، أكانت هذه الأزمات اقتصادية أو سياسية أو حتى صراعات قد تبلغ حدّ الحروب الأهلية، ويمكن لهذه القائمة أن تطول حتى نحسب أن لا نهاية لها.

لكن هل سبق أن فكّر أحدنا، نحن متلقي الأخبار وسامعيها، لا صانعوها، في المقصود بمفردة أو مفهوم الأزمة بحدّ ذاتها، أي ما الذي يجعلنا نعتبر وضعاً ما أو ظاهرة ما أزمة؟

وقد تسعفنا اللغة في إظهار الفرق بين ما يشكّل أزمة، وما هو دون ذلك أو أخطر منه، وفي هذا السياق ترد مفردات من نوع: مشكلة، كارثة..إلخ، ولكن اللغة وحدها، مجردة، لا تصنع مفهوماً بسياقات فكرية وسياسية، فتلك مهمة المشتغلين بالفكر بالدرجة الأولى أو من هم في مقامهم.

وهذا ما فعله عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي إدغار موران المولود في عام 1921، أي قبل قرن بالضبط، حين تناول الأزمة كمفهوم، لن نقول إنه فلسفي بالضرورة، لكنه مفهوم بسياقات محددة، لها طابعها الاجتماعي – الثقافي – السياسي، والحضاري عامة، داعياً إلى توخي الحذر عند استخدام هذا المفهوم، كأنه يقول:

علينا ألا نجعل من أي إشكال عابر أزمة، وبالعكس أيضاً فما يبدو في ظاهره أمراً بسيطاً أو طبيعياً قد يحمل في ثناياه طابع الأزمة، معطياً مثالاً على ذلك بانتقال أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من مجتمع ما قبل صناعي إلى مجتمع صناعي، حيث تفكك نظام قديم ونشأ مجتمع جديد.

يستوقفنا أيضاً حديث موران عن أزمة الحضارة، وهو أمر يعنينا في العالم العربي، حتى أن ندوات فكرية أقيمت في غير عاصمة عربية منذ القرن الماضي عن ما وصفه منظموها بـ«أزمة الحضارة العربية».
لكن موران يتناول الأمر في سياقه الكوني، حيث يرى أن أزمة الحضارة تكمن في «أزمة الإنسانية التي لا تكتمل إنسانيتها»،

وعلى خلاف من يرى أن العولمة ظاهرة جديدة، يرى موران أنها بدأت منذ قرون مع غزو الأمريكتين ثم غزو العالم على يد الغرب، وإن الجديد في الأمر هو بالضبط العولمة التقنية والاقتصادية المتسارعة الناجمة عن تعميم الاتصالات العالمية في كل المجالات.
الأزمة هذه تطال المجتمعات التقليدية التي تواجه تحدي التغريب وتطال الغرب نفسه، والسبب في ذلك يبدو لافتاً، هو أن «الغرب يقدّم إلى بقية الكوكب ما يشكّل مشكلة لديه».

* د. حسن مدن كاتب صحفي من البحرين

المصدر| الخليج

موضوعات تهمك:

مجتمعات الخرافات الصحيحة

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة