المضاربة في العملات وتهديد الأمن القومي للدول

محمود زين الدين1 يناير 2023آخر تحديث :
المضاربة في العملات

المضاربون في العملات يتواجدون بكثافة في لبنان ومصر والعراق وسورية واليمن والسودان والجزائر وتونس وليبيا.
امتد نشاط المضاربون في العملات إلى داخل البنوك خارج الحدود، في محاولة لجمع الدولار من المغتربين والعاملين في الخارج.
الفوضى في سوق الصرف ونشر الذعر بين المدخرين ودفعهم دفعا نحو حيازة الدولار هو جريمة مكتملة الأركان، بل ترقى إلى جرائم الأمن القومي.
* * *

بقلم: مصطفى عبدالسلام
جيوش من الأفراد مختلفي الثقافات والدرجات التعليمية باتت تنتشر في الدول العربية التي تعاني أسواقها من أزمة عملة وشح في النقد الأجنبي وقفزات في سعر الدولار مقابل العملات المحلية، واعتماد أكبر على الاستدانة الخارجية في تمويل عجز الموازنة العامة وسد الفجوات التمويلية.
يتواجدون بكثافة في لبنان ومصر والعراق وسورية واليمن والسودان والجزائر وتونس وليبيا. وبالطبع يختفون من الدول التي لديها فوائض مالية من النقد الأجنبي مثل منطقة الخليج، أو التي تربط عملاتها بالدولار كما هو الحال في الأردن.
قديما كانوا يجلسون تحت سلالم البيوت القريبة من مقار البنوك وشركات الصرافة وفروعها، وعلى المقاهي الشعبية، أو يختبئون داخل شقق مفروشة، وأحيانا داخل بيوتهم، وكانوا يتركزون بالقرب من المواقع السياحية والأثرية والحدود، في محاولة لجمع أكبر كمية من العملات الصعبة من السياح العرب والأجانب وبيعها بعد ذلك بسعر أعلى.
أحيانا كانوا يديرون نشاطهم المشبوه وغير القانوني من خلال شركات صرافة ومحال صاغة وبيع ذهب يمتلكونها في وسط شوارع القاهرة وبيروت ودمشق والخرطوم وغيرها من العواصم العربية.
لكن ذلك كان يتم من وراء حجاب، حيث لا يظهرون في الواجهة ولا يتعاملون بشكل مباشر مع العملاء الراغبين في بيع وشراء النقد الأجنبي، وكانوا يفرضون سياجا من السرية حول تعاملاتهم خوفا من الملاحقة. وكان الجميع يطلق عليهم أصحاب السوق السوداء، أو السوق الموازية لأن ما يقومون به يخالف القانون.
أما الآن فيجلس المضاربون الجدد في العملات الأجنبية خلف شاشات وأجهزة كمبيوتر حديثة، يؤسسون مواقع إلكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرون من خلالها الشائعات حول سعر الدولار وسوق الصرف الأجنبي، ويعرضون أسعارا مبالغا فيها عن الدولار، في محاولة لتسخين الأرقام ودفع سعر العملات الأجنبية نحو الأعلى والحفاظ على مستوى مرتفع لها بهدف حصد مزيد من الأرباح الرأسمالية خلال فترة زمنية قصيرة.
يضاربون في العملات التقليدية والرقمية على حد سواء، ويضغطون على سوق الصرف الأجنبي والعملات المحلية في الدول التي يتواجدون بها، ويرفعون الطلب على الدولار بشكل مبالغ فيه وبما يفوق موارد الدولة.
قبل سنوات كان المضاربون يحملون لقب تجار عملة وسماسرة دولار، أما الآن فيطلق عليهم ألقاب فخمة مثل رجال أعمال ومديري إدارة أموال وخبراء في الاستثمار وأسواق المال والعملات.
وبعد أن كانوا يختفون قديما عن الأنظار ويعملون من وراء ستار خوفا من ملاحقة الجهات الرقابية والأجهزة الأمنية، باتوا الآن معروفين للباحثين عن الدولار، سواء كانوا أفرادا مضاربين أو مستوردين وتجار ذهب يجمعون النقد الأجنبي من السوق السوداء لتمويل شراء وارداتهم من الخارج من السلع الوسيطة والمواد الخام ومدخلات الإنتاج والمعدن النفيس، بسبب مواجهة مشاكل في تدبير احتياجاتهم الدولارية من البنوك.
بل ويظهرون على شاشات التلفزيون وصفحات الصحف متحدثين في شؤون الاقتصاد واتجاهات أسواق الصرف وسعر الدولار وتأثيرات حرب أوكرانيا وموجة التضخم على العملات، ليس لكونهم تجار عملة وإنما خبراء اقتصاد.
بل وامتد نشاط تجار العملة الجدد إلى داخل البنوك، حيث يتفقون مع بعض الموظفين عديمي الضمير على جمع الدولارات لصالحهم مقابل منحهم مبالغ ومكافآت ضخمة، أو شراء الدولار من هؤلاء الموظفين بسعر السوق السوداء.
دور هؤلاء التجار بات لا يقتصر فقط على الداخل، بل امتد نشاطهم إلى خارج الحدود، في محاولة لجمع الدولار من المغتربين والعاملين في الخارج، وتدبير ما يقابله من عملة محلية بسهولة ويسر وسعر مميز وبدرجة عالية من الأمان، فهؤلاء يستلمون الدولار من المغتربين في الخارج ويرسلون ما يعادله بالعملة المحلية إلى أسر ومنازل المغتربين في الداخل.
القوانين والتشريعات الحالية باتت غير قادرة على ردع المضاربين الجدد في العملات، مع وجود ندرة في النقد الأجنبي وشح في الدولار، والملاحقات الأمنية باتت غير ذي جدوى لملاحقة ومطاردة الذين ينشرون شائعات في الأسواق بهدف إحداث قفزة في سعر الدولار والذهب وغيرهما من أدوات الاستثمار والاكتناز، والرهان على الضمير والعنصر الأخلاقي غير مضمون النتائج.
والحل يكمن في تشديد القوانين التي تلاحق ناشري الشائعات حول سوق الصرف وملاحقة المضاربين الجدد، وتطوير أدوات الملاحقة خاصة المتعلقة بالجانب التقني والتكنولوجي، فما يحدث من فوضى في سوق الصرف وهز العملة المحلية ونشر الذعر بين المدخرين ودفعهم دفعا نحو التخلي عن عملتهم وحيازة الدولار هو جريمة مكتملة الأركان، بل ترقى إلى جرائم الأمن القومي.
ذلك لأن اضطراب أسواق الصرف في أي دولة يهز مناخ الاستثمار ويطرد الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، ويربك القطاع المصرفي والمالي وقبله صانع القرار، ويعيد الدولار إلى “تحت البلاطة” بدلا من ايداعه في البنوك مكانه الطبيعي، كما يرفع الأسعار بمعدلات قياسية، ويؤجل محاولات خفض معدل التضخم.

*مصطفى عبد السلام كاتب صحفي اقتصادي

المصدر: العربي الجديد

موضوعات تهمك:

الدولار يخنق عملات العالم

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة