ألمانيا والصين: تفكيك عقلية القطبين الدوليين!

محمود زين الدين10 نوفمبر 2022آخر تحديث :
ألمانيا والصين

زيارة شولتز للصين كانت سببا رئيسا فى توتر علاقة ألمانيا بفرنسا وأثارت مزيدًا من الشكوك الأمريكية تجاه ألمانيا.
الانتقادات التى وُجهت لزيارة شولتز ليست خلافا داخليا ألمانيا بل أحد تجليات غياب رؤية محددة أصلا داخل تلك الحكومة الائتلافية، للعلاقة مع الصين.
موقف ألمانيا من الصين كإلقاء حجر بمياه دولية تحكمها عقلية الحرب الباردة بين قطبين متصارعين فتدفع العالم دفعًا نحو الاصطفاف وراءهما فى حلفين غربى وشرقي!
تحذر قوى ألمانية من الاعتماد المتزايد على الصين، لئلا تجد ألمانيا نفسها ذات يوم مقيدة بسبب تلك الاعتمادية لكن الصين هي أصلا الشريك التجارى الأكبر لألمانيا.
* * *

بقلم: منار الشوربجي
رغم الانتقادات الداخلية والخارجية، قام المستشار الألمانى أولاف شولتز بزيارة للصين، كانت سببًا رئيسيًّا فى توتر العلاقة مع فرنسا، وأثارت مزيدًا من الشكوك الأمريكية تجاه ألمانيا.
فليس سرًّا أن العلاقات الفرنسية الألمانية تشهد توترًا مكتومًا، خرج إلى العلن مؤخرًا، أسبابه متعددة، كان آخرها الدعم الداخلى الهائل للطاقة الذى قدمه شولتز للألمان، بما يؤثر بالضرورة على أسعار السوق الأوروبية الموحدة.
والولايات المتحدة هى الأخرى لا تشعر بالراحة إزاء المواقف الألمانية منذ اندلاع حرب أوكرانيا، فألمانيا تعتمد أكثر من غيرها على إمدادات طاقة روسيا، الأمر الذى جعلها، عندما اندلعت الحرب، تتلكأ، فكانت آخر الدول الأوروبية لحاقًا بقطار العقوبات على روسيا.
وهذا الوضع الذى وجدت ألمانيا نفسها فيه عند اندلاع الحرب هو بالضبط أحد أسباب الانتقادات داخل ألمانيا لزيارة شولتز للصين، فبعض القوى الألمانية تحذر من الاعتماد المتزايد على الصين، فتجد ألمانيا نفسها ذات يوم، وقد صارت مقيدة بسبب تلك الاعتمادية. لكن الصين هى أصلا الشريك التجارى الأكبر لألمانيا.
والاستثمارات المتبادلة جد هائلة، فعلى سبيل المثال، تُباع 40% من سيارات فولكس فاجن في السوق الصينية، مما جعل الشركة تنوى ضخ استثمارات مقدارها 2 مليار فى الصين، فى حين أعلنت شركة كوسكو الصينية العملاقة أنها اشترت حصة فى منطقة حاويات بميناء هامبورغ الألمانى.
والانتقادات الداخلية لا تقف عند ذلك الحد، فقد سافر شولتز إلى الصين على رأس وفد ضخم من رجال الأعمال، لكن الملفات السياسية كانت مصدر الانتقادات، بدءًا بحرب أوكرانيا ومرورًا بتايوان ووصولا إلى ملف الإيغور المسلمين، فالحكومة الائتلافية الثلاثية التي يترأسها شولتز تختلف أحزابها الثلاثة بشدة حول رؤيتها للعلاقة مع الصين، بل حول رؤيتها للعالم ودور ألمانيا فيه.
ومن هنا، فإن الانتقادات التى وُجهت للزيارة ليست مجرد خلاف داخلى، وإنما هى أحد تجليات غياب رؤية محددة أصلا داخل تلك الحكومة الائتلافية، للعلاقة مع الصين. ومَن يتابع التصريحات الرسمية يجد اختلافًا واضحًا بين مواقف المستشار الألمانى ومواقف وزيرة خارجيته التى تنتمى إلى حزب الخضر.
لكن شولتز كتب مقالا قبل زيارته إلى الصين دافع فيه عن الزيارة وهاجم منتقديه داخل وخارج ألمانيا، مشيرًا إلى أن صعود الصين لا يبرر «دعوات البعض إلى عزلها».
ولعله كان يخاطب أمريكا حين قال إن ألمانيا «من بين كل دول العالم بخبرتها التاريخية المؤلمة عندما تم تقسيمها زمن الحرب الباردة لا مصلحة لها فى بزوغ تكتلات دولية جديدة».
وقد عبرت المبادرة التى أسفرت عنها الزيارة بخصوص أوكرانيا عن جوهر خلاف ألمانيا مع حلفائها الأوروبيين والأمريكيين، فالمبادرة تضمنت أربعة محاور تعبر عن المشترك بين ألمانيا والصين، فهى أعلنت معارضة الطرفين لاستخدام السلاح النووى أو التهديد باستخدامه.
ودَعَت المجتمع الدولى إلى الترحيب بكل الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية سلمية لأزمة وحرب أوكرانيا، وضرورة العمل المشترك من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية، واستقرار سلاسل الإمداد العالمية.
وبغض النظر عن الانتقادات الداخلية والخارجية، تكمن أهمية الموقف الألمانى من الصين، فى تقديرى، فى أنه قد يكون بمثابة إلقاء حجر فى المياه الدولية، التى لا تزال تحكمها عقلية الحرب الباردة التى قامت على وجود قطبين متصارعين، فتدفع العالم دفعًا نحو قطبين جديدين، يصطف وراءهما العالم فى حلف غربى وآخر شرقى!

*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، باحثة في الشأن الأمريكي

المصدر: المصري اليوم – القاهرة

موضوعات تهمك:

عمّ يبحث شولتس في الصين؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة